تجعلني أستذكر كلمات، سبق وأن كتبتها وهي «واليوم هو اليوم في ظل حكم ملك الحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده محمد العزم، نحو خطوات واثقة نحو الدولة السعودية الرابعة». كتبت هذه الكلمات في مقال سابق عن ذكرى اليوم الوطني، قبل عدة سنوات، وكانت الأحداث المتتالية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ووطنياً وخليجياً وعربياً، وإسلامياً ودولياً، كلها تدل على ولادة دولة شابة متجددة، تحمل مشاعل النور والسلام للعالم أجمع، وتؤكد على الدور الريادي والعميق لعائلة آل سعود، هذه الأسرة الملكية الكريمة الضاربة في عمق التاريخ، والمتطلعة لمستقبل مجيد، كما هو حاضرها وكما كان ماضيها مجيداً عتيداً، فجاءت ذكرى تأسيس الدولة السعودية في عهد مؤسسها الإمام محمد بن سعود، إنفاذاً لأمر سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بأن يكون يوم «22 فبراير» من كل عام، يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم «يوم التأسيس»، وذلك اعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة العظيمة. إن التفاتة خادم الحرمين الشريفين لهذا الأمر، ليوضح حقائق غفل عنها الكثيرون من أرباب علم التاريخ، وهو عميق تأسيس الدولة السعودية، وارتباط هذه الجزيرة العربية شعباً وأرضاً بهذه الأسرة المباركة، التي حفظت الذاكرة الشفهية أخبارا يورثها الأجداد للأبناء وللأحفاد. لم تكن ذكرى التأسيس إلا إضاءة لتاريخ مجيد، وربط الأجيال الحالية بماضيهم المجيد، والنظر إليه كوحدة واحدة متحدة مترابطة، ذات عمق تاريخي وعمق ديني، وعمق جغرافي وعمق ثقافي وعمق اقتصادي. هذا التأسيس الذي بدأ كما ذكرنا، بتولي الإمام محمد بن سعود لإمارة الدرعية في عام 1139ه، خلفاً لأسلافه في إمارة هذه الإمارة، التي تمتد جذور إمارتهم إلى عام 850ه. وبذلك فنحن أمام أقدر أسرة ملكية عربية، ما زالت تحكم منذ ما يقارب الستة قرون، حيث كان جدهم «مانع المريدي» مؤسساً لإمارة الدرعية، والإمام محمد بن سعود مؤسساً للدولة السعودية في دورها الأول، فقد أشارت المصادر التاريخية والدراسات والوثائق، لعدد من أمراء هذه الأسرة الحاكمة، بما يوضح أن الدرعية وحكامها، لم يكونوا منغلقين على أنفسهم، كما هو حال غيرها من بلاد مواضع الجزيرة العربية، حيث ورد ذكر أسلافهم من الأمراء في وثائق، تحدثت عن قوافل الحج المارة بالعارض، مما يدل أن الإمام محمد بن سعود في تأسيسه للدولة، كان يرتكز على جذور فكرية عميقة، وفهم للمحيط الجغرافي والسياسي المحيط بإمارته. نعم... أسست الدولة قبل أكثر من ثلاثة قرون، وهذا أمر يغفل عنه للأسف الكثير، فجاءت هذه الذكرى لترسيخ هذه الأعمال العظيمة، التي ظهرت وقامت في وقت مبكر، وهذه الدولة السعودية الأولى في تأسيسها، لم تكن دولة مغلقة كما ذكرنا، بل كانت محط القوافل التجارية وقوافل الحج، وكانت الروابط بينها وبين البلدان المجاورة، تتنوع من علاقات الود وغير الودية، وامتد نفوذ هذه الدولة إلى أطراف بلاد الشام والعراق والخليج العربي، وجنوب الجزيرة العربية وأجزاء من اليمن والحجاز، وأصبح أثرها واضحاً في حماية أشقائها من الاعتداءات التي تمس إمارتهم، هذا الأمر جعل الدول الكبرى في ذلك الوقت، تسعى إلى اتخاذ نوع من العلاقة بينها وبين الدولة السعودية الأولى، فأرسلت بريطانيا بعثة رسمية بريطانية إلى عاصمة الدولة السعودية، سعياً لإيجاد نوع من العلاقات الودية، وحسن المعاملة بين الدولتين، وكان ذلك في عام 1214ه/ 1799م، ونافست فرنسابريطانيا في إقامة العلاقات الودية، خاصة في فترة الحروب النابليونية وبعثة «جردان»، وإن لم تكن تلك العلاقات واضحة كوضوح العلاقات البريطانية. إن دولتنا منذ تأسيسها في محيطها الإقليمي، بل والعالمي، كانت ذات أثر وتأثير، وما زال هذا التأثير ماثلاً حتى كتابة هذه الأسطر، في وجود هذا الحكم الرشيد – أدام الله عزهم-. لم يكن التأسيس للدولة وليد الصدفة أو الرغبة، التي ظهرت فجأة، لكنه تاريخ تراكمي عريق يبدأ من تأسيس الدرعية على يد الأمير مانع بن ربيعة المريدي، الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز في عام 850ه، الذي أسس الدرعية واعتنى هو ومن خلفه بطرق الحج وقوافله، التي كانت تمر بالدرعية، فتهيأت لتكون مركزاً للعلم والمعرفة والتنوع الثقافي، وتوافرت لها أسباب الحماية، بما ساعد على ممارسة التجارة وحماية الطرق، واشتهرت كمنطقة زراعية واقعة على وادي حنيفة، فازدهرت الدرعية علمياً واقتصادياً، مما جعل الإمام محمد بن سعود يتطلع إلى تأسيس دولة عظيمة، تتكئ على عراقة في الحكم تمتد إلى حوالي ثلاثة قرون، حكم وأسس فيها أسلافه إمارة الدرعية. إنها سلاسل مترابطة من النمو والازدهار، والبناء التراكمي الذي ساعد على جعل تأسيس الدولة، حليفاً للإنجاز والانتصار والازدهار، علمياً وثقافياً وتجارياً وسياسياً وعسكرياً، وكان التأسيس في عهد الإمام ممهداً وفاتحاً لابنه الإمام عبدالعزيز، وأحفاده الأئمة، لتوسيع رقعة الدولة هذا التوسع الذي كان في أغلبه حباً ورغبة من أهل الأقاليم، حكاماً ومحكومين، في الانضمام إلى هذه الدولة العربية، ذات العمق العربي والإسلامي والثقافي، الذي جعل كل من يأمل في الحياة الكريمة، يسعى إلى هذه الدولة المباركة، التي اهتمت بالدين والدنيا والفرد، والأمن والأمان، وتقبل الجميع من جميع الأديان والمذاهب، حتى وجدنا من يمتدح هذه الدولة وأئمتها من أبناء البلاد المجاورة والمذاهب الأخرى، فكانت دولة جامعة للجميع، ومحتضنة للجميع، وما زالت الذاكرة الشفهية المتوارثة، تذكر أهم الأعمال الإنشائية في جنوب المملكة عامة، ومنطقة عسير خاصة، حيث أنشئ الكثير من الثغور، وهي قصور حصينة ذات طابع معماري متقارب، يدل على أن الدولة السعودية الأولى، كانت دولة تمد يد الخير والعمل والبناء والعلم، إلى كل أمر يوحد البلاد والعباد، وحمايتهم وحفظ أمنهم واستقرارهم، وإن اندثرت أكثر هذه الآثار المعمارية الشاهدة على تأسيس الدولة، إلا أن الذاكرة المحبة لهذه الدولة ما زالت تتذكرها جيداً، تورث هذه الأخبار عن هذه الجهود والآثار، لأجيال الأبناء والأحفاد. رأيت أن أورد بعضاً منها على سبيل الذكر لا الحصر، كثغر جاش ثغر ابن كرم في طريب، وثغر ابن سالم في أحد رفيدة، وثغر سعود في جزعة آل جنش ببلاد وقته، وثغور الإسلام في بلاد سخنان. وفي ذكرى التأسيس نتذكر بكل اعتزاز دور الدولة السعودية الأولى، في محاربة الجهل والتخلف، ونشر العلم والتعلم، وتعزيز دور المرأة وحمايتها من كثير من العادات. إننا أمام ذكرى تأسيس الدولة نقف عاجزين، عن الإحاطة بكل مفاخرها وأعمالها وإنجازاتها. دمت يا وطني محفوظاً محمياً كريماً في حماية وكنف الله، ثم حكامك الراشدين العادلين الحازمين آل سعود الكرام.