الطائفية داء خطير وفتاك، أينما حل يحل البلاء والعنف بكل أشكاله، وهي سلاح الأعداء الأمثل والأقل كلفة لاستهداف بعض المجتمعات. وأظن أن الأمتين العربية والإسلامية على حد سواء لم تسلما من تبعات مخططات حاكها الأعداء للنيل منهما؛ وذلك من خلال بث روح الفرقة والشقاق الذي لم يجدوا له وسيلة أنجع من الطائفية والمذهبية. وقد برهنت التجارب أن الأثر الذي يخلفه استخدام الطائفية أشد وأنكى من تلك الآثار التي تكون نتيجة حروب تقليدية معروفة وواضحة للعيان، بل إن الحقيقة تفيد أن الجيوش القادمة من خارج الحدود توحد الصفوف وتجعل الجميع في خندق واحد للدفاع عن الأنفس والأوطان؛ لهذا عدل الأعداء عن هذا النهج بعد أن فشل في تحقيق المآرب والمطامع، وعمدوا لاستحداث آليات جديدة تعتمد على مبدأ "فرق تسد". وما يؤسف في هذا الشأن أن مروجي السلع الكاسدة كالعنصرية والمناطقية والمذهبية، يجدون لبضاعتهم سوقا في أوساط المجتمعات الإسلامية رغم أن الدين الحنيف ينبذ كل أسباب التشرذم والفرقة التي تقود حتما للضعف والوهن والضياع، ويظهر هذا جليا في قول الحق تبارك وتعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". ونحن هنا يجب أن نلقي الجزء الأكبر من اللوم على أنفسنا بدلا من توجيهه للغير، لأننا نملك عقولا تؤهلنا - لو تدبرنا وتأملنا ما يدور في عالمنا - لأن نستنتج من الواقع والتاريخ ما ينفعنا وما يضرنا. لست أدري لمصلحة من يتناحر أبناء الوطن الواحد والمصير الواحد..!، لماذا نجد من يتشبث بالخلافات المذهبية والدينية لأجل إذكاء الفتن وإشعال نيران التعصب، وإشغال المجتمع بما يضر ولا ينفع..؟! يفترض بأبناء المجتمع الواحد أن يتقبل بعضهم البعض بغض النظر عن المعتقدات والمذاهب والنحل، هذا إذ ما أرادوا لأنفسهم التقدم والرقي والسير للأمام. ومن المهم توجيه الإعلام بكافة أنواعه ليكون شريكا فعالا في ردم الهوة بين أفراد المجتمع، وترميم ما أفسدته دعوات التحزب المغرضة، وإلا فسوف يستمر مسلسل الطائفية مقسما الأمة الإسلامية إلى مجموعات متصارعة متنافرة، كل مجموعة تكيل التهم وتروجها ضد غيرها، وليس الأمر بهذا السوء، لكن التحذير من الخطر يكون بإبراز مساوئه وتداعياته.