كثيراً ما أقرأ للصديق العزيز الدكتور علي الموسى _ في صحيفة الوطن _ فأشعر بالألفة مع أطروحاته، وأميز فيها الأكاديمي الذي لا ينطلق من البرج العاجي، بل من أديم هذه الأرض، وروح إنسانها، مما يكسبه جماهيريته القرائية. لكني أحياناً أُصدم _ ولعل غيري كثير _ بمعادلة عسيرة على الفهم، أشبه ما تكون بالمغالطة الرياضية، على نحو مقاله في السادس من هذا الشهر ، تحت عنوان "عن خالد الفيصل وقوافيه". لقد بدأ بقوله "لا أعلم ماذا سيكتب الشاعر خالد الفيصل صباح اليوم عن (بوح الأخوة)" ومهما عد الموسى هذا البوح مجرد تُكأة، ليعرض _ من وجهة نظره _ (فوارق _المرحلتين _ من حياة شاعر)، فقد كان الأولى بالأستاذ الجامعي أن ينتظر يوماً (آخر) ليطالع القصيدة، لعلها تضيف أو تحذف شيئاً من قناعاته، ذلك أن افتتاحية المقال قد تصرف الكثيرين عن متابعته. ولست في حاجة إلى إعادة التذكير بأن مداخلاتي إنما تأتي من واجب شاهد العيان على المرحلة الأولى _ بتعبير الصديق الموسى_ فرداً في كتيبة خالد الفيصل لتنمية عسير، ومواطناً من مكةالمكرمة أقطن في جدة، وليست الطائف عني ببعيدة. وفي حدود علمي أن السبب الرئيس في انصراف الأمير الشاعر عن بث أشعاره، في هذه المرحلة الثانية من حياته العملية، أنه تفرغ تماماً لرسم ثاني قصائده التى أرى أنها ستكون القصيدة الأهم، لا في حياة الشاعر فحسب، بل في تاريخ منطقة مكةالمكرمة، بهذا الدعم السخي والعناية الفائقة لهذه المنطقة وقصيدتها، من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين _ يحفظهما الله_. وكل عين منصفة ترى ملامح هذه القصيدة الآن تتشكل، على بحر جديد وقافية غير معهودة، من أجل تحديث المنطقة، ورسم هوية خاصة لكل من محافظاتها الثلاث، في مشروع تنموي ضخم شامل ومتوازن، يعتمد بناء الإنسان وتنمية المكان، للوصول إلى العالم الأول. وفي خضم هذه المهمة الجديدة، تفيض مشاعر خالد الفيصل الإنسان بهذه القصائد الوجدانية، التي لا يستطيع الحجر عليها، ولا يمكن أن يلومه عليها أحد، وأهم من ذلك أن الحزن فيها لا علاقة له بالسوداوية والتشاؤم التي أشارت إليها خاتمة المقال، فمن حارب ثقافة اليأس والإحباط، وبلغ شأواً بعيداً في ترويج نقيضتها: ثقافة الأمل والتفاؤل، باطل أن يُتهم بما يحاربه على مستوى المجتمع ظاهراً للعيان. كما أن قراءة الكاتب "للمسحة الرمادية فوق أنوار أبها المنسحبة مع إطلالة الصبح، والسحاب المرسوم بأقلام الرصاص الأسود، على أنها بداية اللون الأسود وقوافي الحزن" تنفيها أصول الفن التشكيلي وتفسيراته، والذائقة الغالبة للمتلقي. ويشعر المرء بالغرابة الشديدة، في تفسير الكاتب لما تشهده منطقة مكةالمكرمة من تطوير وتحديث، بأن (اللون الذي قبله لن يقود إلا للرمادي أو الأسود)، فهو تفسير متعسف ومقارنة ساذجة، فما يصلح في عالم الألوان الحقيقي، لا ينسحب أبداً على مجازي الألوان. وياصديقي العزيز أود أن أطالبك بأن تعيد القراءة بعين الأمل والتفاؤل، وأن تزيل السواد بمعناه الذي عنيته عن عينيك، وعن عيون قرائك.