مقطع فيديو خاص أرسله "ماهر طالب الكثيري" على المجموعات الخاصة في برنامج التواصل الهاتفي المجاني المعروف ب "الواتس آب"، لأقاربه وأصدقائه، عبارة عن معايدة فيديو خاصة بعثها، اختصر به الكثير من "مسافات الكيلو مترات"، رافعاً الحرج عن نفسه بعد ذلك إذا لم يسعفه الوقت لإتمام جميع زياراته الخاصة للتهاني بمناسبة عيد الفطر المبارك. لم يكن "ماهر" حالة استثنائية بحد ذاته، بل حالة عامة تزايدت مع إقبال فئات المجتمع السعودي على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بشكل عام، وهو ما عده أحد الباحثين في المجال وهو سالم الأحمدي بوصفه "حالة طبيعية" في ظل الأرقام المرتفعة التي وضعت السعوديين في المرتبة "الثانية" عربياً بعد مصر، و"الأولى" عربياً بحجم تغريدات يصل إلى 19% من مجموع تغريدات المنطقة العربية. وأضاف الأحمدي في سياق حديثه إلى "الوطن": "تلك الأرقام تعطي نتيجة مهمة توضح بشكل كبير الكثافة الهائلة في معايدات المجتمع السعودي الإلكترونية التي تستخدم "تويتر" و"الواتس آب" باعتبارهما الوسائل الأسرع والأسهل في التواصل الإلكتروني، يأتي بعدهما وسيلة التواصل المجاني الآخر "الفيبر"، وهو تطبيق مجاني أقل خصائص تكنولوجية من الواتس آب". وأشار أيضاً إلى أن "السعوديين - من خلال الأرقام والدراسات- من أكثر الشعوب العربية قدرة على استخدام التقنيات الحديثة بفاعلية، وفي عملية الاستفادة منها بالطرق المناسبة". الحيثيات التي يقوم عليها الموضوع دفعت بالعديد من الاجتماعيين والخبراء في مجال العلاقات الإنسانية إلى التحذير من مغبة ما قالوا إنه "عمليات إحلال" يتسيد فيها التواصل الإلكتروني على التواصل البشري الواقعي، خاصة لدى الجيل الجديد الذي تعد الوسائط السابقة في التواصل ركنا أساسيا في عملية التواصل لديه. وحذر الدكتور سالم الهذلي وهو متخصص في العلاقات الإنسانية من خطورة ذلك "الإحلال" على النمط المستقبلي الجديد في التعامل الإنساني، وبخاصة في أوقات المناسبات كعيد الفطر التي تكون فرصة سانحة في التواصل الإنساني التي تعد نقطة التقاء الكثير من الأقارب التي ربما لا تتوفر لهم في بقية العام للانشغالات والأعمال. ولغة تحذير أخرى جاءت بين مفاصل حديث الدكتور الهذلي تتعلق بغلبة التواصل الإلكتروني على جميع المسارات في المعايدات "الأقارب والأصدقاء"، حيث قال :"نتفهم أن تكون المعايدات الإلكترونية بين الأصدقاء للمساحة الزمنية الضيقة، لكن أن ينسحب ذلك على الأقارب من الدرجة الأولى، فهذه إشكالية حقيقية، نخشى أن نفتقدها للأسف الشديد". مواقع إلكترونية على الإنترنت تنشط خلال الأيام الخمسة الأخيرة في تصميم رسائل "معايدات خاصة" لتبادلها إلكترونياً عبر الوسائط التواصلية المختلفة، ومواقع أخرى تقدم خدمة "مسبقة الدفع" لا تتجاوز 200 ريال في تصميم رسائل معايدات خاصة للمهتمين بإنشاء تلك المعايدات في مدة لا تتجاوز الساعة الواحدة من رفع الطلب ودفع القيمة المالية المحدددة لذلك، والتي تبقى حقاً حصرياً للمستخدم، لا يجوز للموقع استخدامه في تهنئة أخرى. في أحد المراكز التجارية بشمال جدة وفي ليلة العيد يمكن ملاحظة حجم الانشغال الكبير بإرسال رسائل التهنئة بين المتسوقين، سعد المالكي كان في أحد أروقة "العرب مول"، وقال إلى "الوطن" إنه أرسل تهاني بضغطة زر – حسب قوله- لأكثر من 150 من أصدقائه وأقاربه، ودافع عن استخدام المعايدات الإلكترونية، وقال إن تلك المعايدات عبارة عن تذكير، ورفع الحرج التي عبر عنها بكلامه العامي "إذا لم يسعفني الوقت لزيارتك، فأنت في قلب التواصل الإلكتروني، ولم أنساك". هذه التقنيات اعترض عليها عدد من كبار السن الذين التقتهم "الوطن"، مؤكدين أن هذه الوسائل تسهم بشكل كبير في كسر أواصر التواصل الاجتماعي الحقيقي بين الأهل والأقارب والجيران، وأنهم يعترضون على أن تحل محل جولات ورحلات العيد التي اعتادوا على تنفيذها بين مختلف منازل الحي الواحد.