اللغة هي أساس العلم، وعبر المصطلحات اللغوية يتشكل وعي وثقافة المجتمعات، وفهمنا لها ينعكس بشكل أو بآخر على سلوكنا ونشاطنا، فلكل مصطلح أو لقب توقعات وأثر يُرجى منه. الحاجة لمراجعة فهمنا للمصطلحات ليست ترفًا ثقافيًّا، وإنما ضرورة تحتاجها المجتمعات للتقدم. الفكر والأبحاث وتراكم التجارب العملية، جميعها أساس للأعمال والأنشطة السياسية أو الاجتماعية أو التجارية وغيرها، وإن كان ذلك لا يُستشعر بشكل مباشر في كثير من الأحيان. يهدف هذا المقال لتسليط الضوء بشكل مبسّط على مفهومَيْ ريادة الأعمال والتجارة، والفرق ما بين رائد الأعمال ورجل الأعمال أو (التاجر)، هذه المصطلحات كغيرها، سنجد لها العديد من التعريفات، ولكل فرد في عقله فهم معين، فمن المستحيل تقديم تعريف واحد متفق عليه عالميا لمصطلح «الدولة» مثلا أو «القائد»، إلا أنه بالإمكان تعميم فهم عام مشترك للمصطلحات، يُسهّل على البشر التواصل والعمل المشترك نحو تحقيق أهداف كبرى. واستعراض تعريف رائد الأعمال والتاجر يهدف لإيضاح الدور المطلوب والمتوقع لكل منهما، ودور ريادة الأعمال والتجارة في النمو الاقتصادي للبلدان، والذي يقود بدوره لدُول أقوى تنعم باقتصاد مزدهر وعيشة كريمة للإنسان. الفارق الرئيس بين رجل الأعمال ورائد الأعمال بشكل عام هو أن رجل الأعمال يؤسس نشاطه التجاري التقليدي في سوق موجود وكبير، ويتاجر ببضاعة أو خدمات عليها طلب عالٍ مسبقا، مثل تأسيس شركة مقاولات أو مطعم أو كوفي شوب، في حين أن ريادي الأعمال يؤسس شركته الناشئة بفكرة فريدة ليس لها بالضرورة سوق في الوقت الحالي، أو أن سوقها محدود جدًّا، إنما يشقّ هذا الريادي الطريق لمجال جديد ويخلق سوقا من العدم. نخلط بشكل عام ونطلق لقب رائد أعمال أو تاجر مجازًا على أي شخص يمتلك نشاطًا تجاريًّا، وفي بعض الأحيان وكغيرها من الألقاب، تُطلق للبرستيج أو التقدير أحيانا. ليس الغرض هنا التصيد ولا ينبغي السعي لتصنيف الناس لمُستحق لهذا اللقب أو ذاك، إنما الأهم هو تعزيز الوعي بأهمية كل من رجل ورائد الأعمال ومعرفة دورهما المختلف في نمو الاقتصاد. رائد الأعمال هو "من يؤسس شركته الناشئة بالاعتماد على فكرة مبتكرة لمُنتَج، أو خدمة من شأنها أن تحل مشكلة ما لدى العميل المستقبلي، وغالبا ما ترافق هذه الرحلة مخاطر عالية ونسبة فشل كبيرة بحكم أن الفكرة جديدة، أو أن السوق غير موجود في الأساس، إلا أنه في حال نجاح الشركة، فإن قدرتها على التوسع والنمو تكون عالية وسريعة، خصوصا إذا ما كانت فكرة ريادية تكنولوجية. مثال على ذلك، شركات أصبحت عالمية الآن مثل، فيسبوك، أوبر، Airbnb وإذا أخذنا الأخير بالتحديد، نجد أن الفكرة حينها كانت غريبة! فمن الذي سيقبل أن يبيت شخص غريب في منزله، أو أن يسافر للسياحة لبلد ما ثم يسكن في غرفة لعائلة محلية بدلا من فندق معروف، كانت فكرة Airbnb جريئة وأربكت سوق الضيافة التقليدي الذي كان مرتكزًا على الفنادق بشكل رئيس، كما أربكت شركات مثل أوبر وكريم سوق التاكسي التقليدي. بعد حوالي 10 سنوات فقط من تأسيس Airbnb فاق عدد غرفه مجموع غرف فنادق الهيلتون التي تأسست قبل حوالي 100 عام، ووصلت الشركة لحوالي 200 دولة في حين أن مجموعة الهيلتون العملاقة وصلت لقرابة ال 100 دولة فقط، ناهيك على أن قيمة Airbnb السوقية تجاوزت بمراحل القيمة السوقية للهيلتون رغم الفرق الشاسع في عمر الشركتين. الإبداع والابتكار يساهمان في حل كثير من مشاكل العالم الراهنة ويطوّران من نمط حياة الإنسان، وهذا الأمر يُتوقّع من عقلية رائد الأعمال وليس رجل الأعمال.