إن المتأمل في مفاهيم ومبادئ الحوكمة للمنظمات غير الربحية، وما هي الغاية منها، والأثر المترتب عليها من جميع الاتجاهات يدرك أن تطبيقات الحوكمة في المنظمة تعتبر تمكينا لها، وقد يأتي تساؤل من أحدهم كيف ذلك.. بدايةً نؤكد أن من الممكنات الرئيسية لتمكين القطاع غير الربحي هي فاعلية وكفاءة تطبيق الحوكمة في المنظمات غير الربحية. فعندما تقوم المنظمة بالعمل على التطبيقات والإجراءات لتحقيق مؤشرات معايير الحوكمة الثلاث وهي: الامتثال والالتزام، الإفصاح والشفافية، والسلامة المالية، ستكون النتيجة هي تمكين المنظمة من عدة جوانب: أولا: تسهم في فاعلية الجمعية العمومية ومجلس الإدارة، ويقوم كل فرد منهم بدوره ومسؤوليته لأنه سيكون في دائرة المساءلة وهذه الممارسة تساعد كثيرا في استدامة المنظمة وتحقيق غايتها، وتمكين الجهاز التنفيذي. ثانيا: تحافظ على الغاية التي أنشئت من أجلها المنظمة وتحمي مواردها وأصولها من التأثير السلبي لأصحاب المصلحة من التشتت في بوصلة اتجاه المنظمة. ثالثا: توفر القواعد التنظيمية من السياسات واللوائح والأنظمة، وهذه الممارسة تعزز من قوة وكفاءة المنظمة مهنيا ومؤسسيا أمام فريق عملها، ومستفيديها والمجتمع. رابعا: تسهم في تمكين فريق عمل المنظمة واستقطاب الكفاءات المميزة؛ لأن الحوكمة ساهمت في توفير بيئة آمنة لهم من وضوح ما لهم وما عليهم، بالإضافة إلى تفعيل المسؤوليات والصلاحيات لهم، وهذا يحقق زيادة في ولاء وانتماء فريق العمل للمنظمة. خامسا: تثبت فاعليتها وأثرها أمام الجهات المنظمة وأصحاب المصلحة المؤثرين من خلال نتائج الشفافية والالتزام والسلامة المالية. سادسا: تصبح جاذبة للتبرعات والشراكات النوعية لشعورهم بموثوقيتها وكفاءتها، وهذا من تمكين الأطراف الخارجية للمنظمة نتيجة لفاعلية حوكمتها. سابعا: تعزز من قدرتها أمام المستثمرين في الدخول في الفرص الاستثمارية التي تسهم في تنمية مواردها المالية واستدامة أعمال المنظمة. بعد استعراض أثر الحوكمة كممكن مؤسسي للمنظمة، يأتي السؤال الآخر متى تفقد الحوكمة فاعليتها في تمكين المنظمة؟ عندما يُنظر للحوكمة بأنها عبأ وثقل على المنظمة وليست أسلوب عمل، وعندما يضعف تبني الجمعية العمومية ومجلس الإدارة لحوكمة المنظمة، وعندما تستلم القيادة العليا في المنظمة لمقاومة الجهاز التنفيذي على تطبيق الحوكمة. والسؤال الأخير في هذا الموضوع كيف تصبح الحوكمة ممكنًا للمنظمة؟ أولا: وعي القيادة العليا بها كممكن، وفهم أبعادها، وأنها مصدر قوة لتمكين المنظمة وزيادة إيراداتها وتمكين كوادرها واستدامة مواردها. ثانيا: ضم متخصصين في الحوكمة، والالتزام في عضوية الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة أو إحدى اللجان الدائمة المختصة في أعمال الحوكمة. ثالثا: خلق انسجام بين أعمال الجهاز التنفيذي وتطبيقات الحوكمة، بحيث تصبح ممارسة اعتيادية عند فريق العمل، إدراكا منهم أنها تقود نحو تمكين المنظمة، وتحقق الموثوقية مع أصحاب المصلحة والمستفيدين. رابعا: العمل على تقييم حوكمة المنظمة ومعرفة الممارسات الجيدة في الحوكمة لتوكيدها، والقيام على سد الفجوات والتطوير المستمر لتحسين ممارسات الحوكمة دون الغلو في ذلك، حتى لا تصبح عائقًا وتفقد المنظمة رشاقتها. أخيراً فإن ما تقوم به وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من تفعيل الحوكمة المنضبطة لمنظمات القطاع غير الربحي، وحرصها على أن تكون مبنية على أسس علمية وعملية تناسب طبيعة أعمال المنظمات غير الربحية، والقيام على التحسين المستمر لمراحل تطبيق الحوكمة في المنظمات غير الربحية، والتعلم من الدروس المستفادة في كل مرحلة بالتشارك مع الأطراف المختلفة ذات العلاقة بحوكمة المنظمات، مما أثر ذلك في تنمية القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية، وساهمت في تحقيق العديد من النجاحات الإقليمية والدولية، مثل حصولها على ثاني أفضل نتيجة في تقييم مجموعة العمل المالي (FATF) بتقييم (LC) المساوية لتقييم القطاع غير الربحي في الولاياتالمتحدةالأمريكية.