منذ الأزل وقفنا أمام العديد من الأبواب التي كانت تتفاوت بين السماح والمنع! ثم استمرت مع الأيام تُفتح أكثر فأكثر، حتى ضاقت أطراف الكرة الأرضية، وتقاربت مسافاتها شيئًا فشيئًا حتى أصبح العالم قرية صغيرة، جعلت دائرة القرارات تضيق من الجمع الى الفرد، وتُختصر من الجماعة إلى الإنسان الذي أصبح يعيش وحيدًا في زحمة العوالم التي يراها في كل لحظة! والتي تبني فيه صورًا ذهنية وتهدم أخرى في الوقتذاته! وترسم له البهجة تارة، وتارة أخرى تُغرقه في بحار الحيرة خصوصًا عندما يدلف الى ساحة صراع الشهوة والشبهة، فيدخل في معارك مع نفسه يحتاج إلى وقت لكي يفك شفرات أسرارها! ويُشبع فُضوله من خفايا هذا العالم!. وحينما يُكشف عنه غِطاء الأسئلة، وينقشع عنه ضَباب التساؤلات يجد نفسه في قفص التحديات التي تظهر في اختبارات كبح جِماح غرائزه، والتي عليه أن يضغط فيها زر إيقاف أهوائه -التي تقول له: لا تنفُر في الحر!- إن أراد الحصول على الهدايا لاحقًا. وإذا آمن عرف بأن أي خطوة نحو الغواية الخاطئة ستجعله يتقهقر ملايين الخطوات في آخر الحياة، وستسبب له بفقد الكثير من الهبات والمُميزات المادية والمعنوية، وكلما تمادى في الجُرأة كلما خسر أكثر فأكثر حتى "يُصبح في فن الخسارة مرجعا" كما قال الشاعر محمد عبد الباري. وفي اجتماع الشخص بعقله وقلبه سيجد بأن القلب يدفعه بشدة نحو الفوز بنار اللحظة! فيبحث له عن كل المُبررات التي تُخاطب نفسه الأمارة، وتُزين له ما يُريد أثناء تأمله لنافورة الماء! وتُذكِرُه بقاعدة البرمجة اللُغوية العصبية (خلف كل فعل نية إيجابية)! وبعد أن يُفتح له الميكرفون يصرخ العقل حتى يقطع على المخ نومة هانئة، ويشرع في استعراض الأوراق الرابحة التي كلما أخرج منها ورقة كلما شعر صاحبه بالبرود الذي يدفعه أكثر فأكثر للعودة تدرجيًّا إلى صوابه، فيبدأ في مُقارنة المكاسب بالخسائِر التي لا تسقُط بالتقادُم! ويشرع في رسم سيناريوهات العواقب الوخيمة، ويتأمل الهدايا التي سيتنعم بها في حياة طويلة، والتي حتمًا لن يسمح لنفسه بخساراتها أمام غواية عابرة لا تُنتج سوى الحيرة والضياع! حكمة المقال عندما تتلاقى العين بالعين، ويُكشف عن الملامح الضاحكة، وتظهر النتوءات اللامعة، وتبرُز الزوايا غير الحادة، وتتلألأ الأقمشة الناعمة، ويرتفع صوت موسيقى الأقدام، وتشتعل في الأعماق ثورة الإِقدام، وتُنسى أكواب القهوة على الطاولات المُبعثرة، وتخف شهوة الطعام، ويحتار الناس هل هم جُلوس أم قيام، مُستيقظين أم نيام، عندها فقط نحتاج أن نتخذ خطوات للخلف لنفهم كيف سنتعامل مع هذه الغواية الثائرة (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) ليست عنا ببعيد.