بدأ حسين بن علي مهنته في بيع عصيري "الليمون والتمر هندي" عام 1368 هجرية (1948 ميلادية)، في برحة نصيف الشهيرة بالمنطقة التاريخية بجدة، حيث لا يزال كشكه الصغير، ثم انتقل إلى سوق العلوي "بباب مكة"، ثم غادره بعد أن حاصرته الأمراض من كل "حدب وصوب" منذ عام 2006، واستقر في منزله منذ ذلك الحين، بعد أن استمر في هذه المهنة 58 عاماً. يبلغ العم حسين اليوم 88 عاماً، لم تستطع "الوطن" الحديث معه، لأنه ما عاد قادراً على الكلام أو تذكر شيء من تاريخه لإصابته ب"ألزهايمر وسرطان المثانة"، وأصبح لا ينطق من الكلام إلا القليل، فحمل نجله الأكبر بندر (35 عاماً) – وريث والده في المهنة- مسؤولية الراوية التاريخية عن ذاكرة والده المنسية، التي تخزن تاريخ المواقع التاريخية التي تزخر بها المنطقة، وقال إن "والدي امتداد لا ينقطع لتاريخ المنطقة المركزية بجدة، وهو شاهد عليها وهي شاهدة عليه". طوال شهور وفصول العام وبخاصة في شهر رمضان الإقبال على كشك العم حسين لا يتوقف، بل يزداد يوماً بعد يوم، ربما الكثير من الشاربين سواءً من سكان المدينة، أو من زائري هذه المنطقة من المدن الأخرى، أو حتى السياح الأجانب لا يعرفون تاريخ هذا الكشك، لكن ما يشدهم إليه هو الملصق الإعلاني الموجود عليه والذي يقول "عصيرات .. أكثر من 55 عاماً"، هنا يبدأ سيل الأسئلة من الجمهور الشارب، لتتحول إلى أسئلة الصحافة الخبرية الست "كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ وأين؟ وماذا؟ ومن؟" حينما سألنا بندر عن الملصق قال :"هذا العام تجاوزنا 58 عاماً في المهنة، وتفصلنا فقط سنتان عن بلوغ العقد السادس (60 عاماً)، والعائلة عادة ما تغير الملصق كل خمس سنوات كنوع من توثيق الذاكرة التاريخية لهذا المكان". كانت بداية العم حسين ب"الحظ" حينما كان يرى صنوف قوافل الحجيج والمعتمرين يتجمعون في برحة نصيف، ففكر أن يروي عطشهم ببيع "الليمون والتمر هندي"، ولم يكن لديه في ذلك الوقت محل تجاري يعمل به، فكانت عمليات البيع تتم بشكل فردي عبر عربة صغيرة. لكن التحول الذي حصل في حياته كان في عام 1375 هجرية (1955 ميلادية) عندما أسس أول كشك له في البرحة التي شكلت انطلاقته الأولى "برحة نصيف"، وظل في الموقع 25 عاماً، ليبدأ فيما بعد مرحلته الثانية الحالية بسوق العلوي، والتي استمرت 33 عاماً حتى اليوم. يقول بندر: "كان والدي يعمل مراقباً في بلدية جدة في نفس المنطقة التي كان يدير منها تجارته، وكانت البلدية في ذاك الوقت تتبع وزارة الداخلية، وكان يديرها الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، وظل يعمل في هذه المهنة 20 عاماً، وهو ما زال يحتفظ حتى اليوم ببطاقة عمله الحكومية". العم حسين، أصبح من مكونات "المنطقة التاريخية" وجزءا أساسيا من تشكيلها، لذلك فهم يطلب أن تسمح لهم أمانة محافظة جدة بعودة الكشك الخشبي القديم وبرادات العصير القديمة بدلاً من الحديثة. ما عاد العم حسين يتذكر اليوم من تاريخه "بحلوه ومره" شيئا على الإطلاق، إلا أبيات من قصيدة محمد القيسي: "وفي قلبي نداء لاهف ما زال يدعوني** يشبّ حرائقا في أضلعي ويشدّني للخلف".