من بين أسواق جدة القديمة يتفرد سوق العلوي بمساحته الكبيرة نسبيًا، وباحتوائه على عدد من المساجد والمباني والبيوت الأثرية المهمة، وما وقوف السائحين الأجانب مبهورين في برحة وبيت نصيف وسط السوق لالتقاط الصور التذكارية، إلا دليل على جمال وروعة المعمار القديم لهذا السوق وللمنطقة التاريخية بأسرها، وجرس إنذار بضرورة بذل مزيد من الجهود لإيقاف احتضار مزيد من المباني التي يغيبها الهدم مع كل سيول تضرب مدينة جدة أو حريق ناتج عن إهمال المسؤول عنه معروف، والقدرة على إيقافه تبدو صعبة. ويضم سوق العلوي بالإضافة إلى المحلات الكثيرة وبرحة وبيت نصيف عددًا من الآثار المهمة منها سوق النورية، مسجدا المعمار والمغربي، وعين “فرج يسر” المعاد اكتشافها حديثا. “المدينة” قامت بجولة ميدانية في المنطقة التقت خلالها أصحاب المحلات ورواد السوق، واستنطقت التاريخ لإلقاء الضوء على ماض جميل لا يتمنى أحد أن يغيبه الإهمال. عبدو سعيد يعمل في محل ملابس بسوق العلوي منذ أكثر من عشرين عاما، يقول: “تجارة الأدوات المنزلية كانت في الماضي طاغية على غيرها من النشاطات في السوق، أما الآن فقد تراجعت لصالح محلات المكسرات والشوكولاتة”، واصفا السوق بالشعبي، وإن تطور مؤخرا نحو الأفضل، ولذلك فزبائنه من جميع الجنسيات. السوق يغرق في الظلام ويضيف: بعد خمس سنوات من بقاء السوق دون بلاط عقب نزع البلاط القديم، تم رصف الشارع الرئيس بالبلاط الجديد قبل شهرين، وتركيب أعمدة إنارة لكنها لا تعمل حتى الآن، مما يجعل الإضاءة فيه معتمدة على الضوء الصادر من قلب المحلات، وبالتالي فهو يغرق في ظلام دامس بعد إغلاقه ليلا. المواقف وإرتفاع الإيجار أما العم محمد بايونس والذي يعمل في السوق منذ أكثر من نصف قرن، فيتفق مع سعيد على التطور الإيجابي الحاصل في السوق، وإن كانت لديه اعتراضاته المتمثلة في ارتفاع الإيجارات، مؤكدا أنها ارتفعت قريبا من عشرة أضعاف ما كانت عليه في السابق، وعلى سبيل المثال - يقول بايونس - كان إيجار محل العطارة الذي أعمل به سبعة آلاف ريال، وارتفع الآن إلى 62 ألف ريال. ويشتكى العم بايونس كذلك من عدم وجود مواقف للسيارات في السوق مما يجعل الكثيرين يترددون في ارتياده. اختفاء حاويات القمامة بدوره ينتقد حسن (بائع) رفع حاويات القمامة من السوق خلال الأشهر الماضية بالتزامن مع أعمال التطوير، ويقول ان ذلك ساهم في تدني مستوى النظافة بالسوق. البائعون العرب أفضل والجودة تراجعت ولسوق العلوي زبائنه الذين يفضلونه لعوامل متعددة ومختلفة، منهم سيف أحمد سالم الذي يقول أنه يشتري حاجياته من أسواق البلد المختلفة نظرا لأنه يعيش في حي الكندرة القريب، وكذلك لرخص الأسعار، غير أنه يضيف: “ارتفعت الأسعار حاليا عن السابق، وسط تراجع في جودة المنتجات”. ويعزو عماد خليفة وعادل الضيف حضورهما إلى السوق طلبًا للتنزه والشعور بروح البلد وعبق الماضي الجميل، ويؤكدان أنهما يأتيان إلى هنا منذ أكثر من عشرين عاما، والكثير من المواطنين يأتون إليه في الإجازات الأسبوعية ورمضان، لكن أغلبية رواده بصورة عامة من الأجانب، وتساءلا عن جدوى رصف شوارع المنطقة التاريخية فيما المباني تنهار بصفة مستمرة، وعبرا عن خشيتهما أن يضيع هذا التراث الجميل وتحل مكانه مبان حديثة. تاريخ السوق يمتد سوق العلوي - وفقا لما جاء في كتاب “جدة.. حكاية مدينة” لمؤلفه محمد طرابلسي - من نهاية شارع قابل حتى باب مكة شرقا، وهو سوق مكشوف لا تقتصر البضائع الموجودة فيه على أشياء معينة كما هو الحال في سوق البدو، وقد يكون ذلك راجعًا إلى مساحته الكبيرة مقارنة بالأخير، وتوجد فيه محلات كثيرة لبيع الملابس الجاهزة والعطور والحلويات والمكسرات والأدوات المنزلية (موجودة بزقاق المنقبي)، ومن أشهر معالمه النورية القديمة، بيت عاشور، بيت نصيف، مسجد المعمار، مسجد المغربي، ومقابر السيد أبو بكر بن أحمد العلوي. سوق النورية أنشأ سوق النورية نوري أفندي الذي تولي منصب قائمقام جدة عام 1382 هجرية، وكان مشهورا بالحزم والشدة، وقد مكنته هذه الصفات من تنفيذ العديد من الإصلاحات في جدة منها تنظيم الأسواق وجعلها صفا واحدا منتظما بعد أن كانت مبعثرة، وكذلك إنشاء “الكداوي” ومفردها “كدوة”، وهي منطقة متسعة نسبيا في قلب الحواري تلقي فيها القمامة لإعدامها لاحقا حرقا، بالإضافة للعديد من الإصلاحات الأخرى، وقد تم إنشاء سوق النورية عام 1284 هجرية لتكون سوقا للقصابين (الجزارين) وبائعي الخضار. عين فرج يسر أعيد اكتشاف عين فرج يسر حديثا بسوق العلوي، وهي عين ماء على عمق يزيد على الثمانية أمتار وبمساحة 812 مترا، وبها سبعة أحواض موصلة بقناة، وأطلق عليها هذا الاسم نسبة لأحد تجار جدة وهو فرج يسر، والذي نهض بعبء جمع التبرعات من التجار في العام 1270ه لإصلاح عين “القوصية”، بعد حدوث أزمة شح في المياه، واستطاع إعادة جريان الماء إليها واستمر حتى عام 1304ه، برحة وبيت نصيف: وهما ساحة وبيت أطلق عليهما اسم العائلة المالكة للبيت، وهي عائلة عريقة، بها عدد من الشخصيات التاريخية المشهورة منهم محمد حسين نصيف الذي استقبل الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في البيت المذكور سابقا عام 1344 هجرية حال دخوله جدة، حيث أدار منه رحمه الله شئون الحكم وبناء الدولة الحديثة. سمي مسجد المعمار بهذا الاسم نسبة إلى والي جدة مصطفي معمار باشا الذي أعاد إعماره عام 1284 هجرية، وبحسب قول الشيخ عبدالرحمن نصيف نقلا عن أجداده فإن عمر المسجد يزيد على الأربعة قرون وكان ملاصقًا للبحر من جهة الغرب، حيث يتوضأ المصلون من مياه البحر مباشرة. بنى مسجد المغربي الشيخ محمد إبراهيم مغربي فتيح “الحباب” في عام 1263ه، وهم من أقدم تجار الحبوب بسوق “البدو”، وكان يعد من المساجد الكبيرة آنذاك.