لقد تفتَّح وعيي أنا وجيلي الذين يقاربونني في العمر قبل خمسين عاماً ونحن نستمع بإعجاب عبر الإذاعة السعودية وغيرها إلى كبار القرَّاء المصريين الذين يتلون الآيات البينات من القرآن الكريم بتجويد متقن، وأداء بارع وأصوات جميلة تأخذ بالألباب وتثير الخشوع في القلب وتحلّق بنا في أجواء روحانية سامية من أمثال المشايخ محمد رفعت وعبدالفتاح الشعشاعي وعبدالرحمن الدروي وعلي حُزِّين وأبو العينين شعيشع وعبدالعظيم زاهر وكامل يوسف البهتيمي ومحمود خليل الحصري وسعيد محمد نور ومنصور الشامي الدمنهوري وعبدالباسط عبدالصمد وعبدالحميد البسوسي ومحمد الصيفي ومحمود عبدالحكم ومحمود البجيرمي وطه الفشني ومصطفى إسماعيل وعبدالعزيز علي فرج ومحمد الطبلاوي ومحمد محمود رمضان ومحمود محمد عوض وعوضين المغربي وصديق السيد المنشاوي وأحمد محمد عامر وصلاح شمس الدين، ومحمد صديق المنشاوي، ومحمد البحيري، وإبراهيم الشعشاعي، ومحمود علي البنا ومحمد أحمد شبيب وأحمد الزريقي، ومحمد عبدالعزيز حصَّان، ومحمود حسين منصور ومحمد بدر حسين .. وعشرات القرَّاء الآخرين الذين لا يتسع المجال لحصرهم ممن تختزنهم ذاكرتي الكليلة والذين يشكل كل واحد منهم مدرسة مستقلة، وله بصمة خاصة تختلف عن غيره في التلاوة والأداء. وهؤلاء القرَّاء هم الذين تتلمذ على أدائهم في التلاوة والأداء الجم الغفير من قرَّاء القرآن الكريم المعاصرين في العالم الإسلامي حتى لقد بت مقتنعاً بالمقولة التي تتردد على ألسنة كثير من المهتمين بمدارس التلاوة ومفادها أن "القرآن الكريم أنزل في جزيرة العرب.. وكُتب في تركيا.. وقرئ في مصر.." بمعنى تنزل ذلك الوحي الكريم في مكةالمكرمة والمدينة المنورة فيما يعرف بالسور المكية والسور المدنية والتي تبلغ مئة وأربع عشرة سورة هي مجموع سور القرآن الكريم، وأن أول من برع في كتابة المصحف الشريف هم الخطاطون الأتراك، وذلك قبل إنشاء المطابع التي عنيت بكتابته في البلدان الإسلامية كالمملكة العربية السعودية ومصر وسورية والمغرب وباكستان والهند وغيرها، وأما الأمر الثالث فهو اعتناء أهل الكنانة في مصر بحفظ القرآن الكريم وترتيله وتجويده عبر الكتاتيب في المدن والأرياف ومعاهد القراءات في جامعة الأزهر منذ أوائل القرن الرابع الهجري المنصرم، فبرز مئات القرَّاء المصريين المجيدين الذين أشرت إلى بعضهم ممَّن أثروا الإذاعات العربية وغير العربية بتلاواتهم الجميلة، بل وأتقنوا تلاوة القرآن الكريم بالروايات السبع عن طريق الشاطبية والروايات العشر عن طريق الطيبة، وهذا يؤكد تلك المقولة السالفة ويدل على تحقق الإعجاز العلمي والبياني في حفظ كلام الله تعالى مكتوباً ومقروءاً ومسموعاً عبر القرون والأجيال، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". وإن مما نحمد الله عليه في بلادنا السعودية المباركة أن برزت أصوات سعودية جميلة تتلمذ أصحابها على أصوات القرَّاء المصريين من خلال الإذاعة والتلفزيون وممَّن تخرجوا في حلقات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة وأصبحوا يعمرون بيوت الله بتلاواتهم الرائعة من أمثال المشايخ - مع حفظ الألقاب - عبدالصمد فدا وعبدالله خياط.. وجميل آشي وعبدالفتاح قاري وعبدالله الخليفي.. وعبدالعزيز بن صالح.. وعبدالقادر عطية.. وعباس مقادمي.. وزكي داغستاني وعلي بن عبدالرحمن الحذيفي وعبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس وإبراهيم الشريم ومحمد شرف الحلواني وإبراهيم الأخضر وغيرهم من القرَّاء السعوديين الذين سجلوا القرآن الكريم كاملاً في أصواتهم النديَّة. وبهذه المناسبة فإني أهيب بإخواني الباحثين في كليات القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية ومصر بتوثيق تلك المدارس في التلاوات القرآنية وأصحابها من خلال دراسات وأبحاث معمقة ومستقصية لتثري هذا الجانب المهم في مدارس التلاوة. عبدالله محمد بن حميِّد - المستشار الشرعي في إمارة منطقة عسير