عندما كان في الثامنة من عمره أكمل الشيخ محمد صديق المنشاوي حفظ القرآن الكريم، وهو بقرية المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج في مصر، وكالبلبل الصداح وهبه الله تعالى صوتا رقيقا يتلو به أعذب الكلام، ويوقعه في نفوس السامعين طمأنينة وهدوءا وتحليقا بالروح في جميل المعاني والإبحار في عالم نقي يخلو فيه المرء إلى نفسه مستمعا ومتعمقا على وقع تلاوة الشيخ الراحل. ولم يكن مستغربا عليه أن يشتغل بالقرآن وهو الذي نشأ في أسرة قرآنية عريقة، حيث كان والده الشيخ صديق المنشاوي الذي علمه أصول قراءة القرآن الكريم قد وضع مدرسة قرآنية عتيقة في القراءة، واستمد الشيخ محمد من تلك المدرسة الكثير الذي كان سببا في نجاحه بعد صوته الخاشع. وكان لجمال صوته الوقور الذي يفيض عذوبة وحلاوة السبب في اكتسابه شهرة واسعة وقبولا حسنا، كما أنه أتقن مقامات القراءة، وأسهم انفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية في تقديم النص القرآني بيسر وسهولة يخشع معها كل سامع له، وللشيخ الراحل تسجيل كامل للقرآن الكريم مرتلا، وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسورية وليبيا، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بالإذاعة، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي. ومن المفارقات المهمة في حياة الشيخ المنشاوي أنه تعرض لمحاولة القتل بالسم، وروى ذلك بنفسه، أنه كان مدعوا في إحدى السهرات عام 1963، وبعد الانتهاء من السهرة دعاه صاحبها لتناول الطعام مع أهل بيته على سبيل البركة، ولكنه رفض فأرسل صاحب البيت إليه بعضا من أهله يلحون عليه، فوافق، وقبل أن يبدأ في تناول ما قدم إليه من طعام، اقترب منه الطباخ وهو يرتجف من شدة الخوف وهمس في أذنه قائلا: يا شيخ محمد، سأطلعك على أمر خطير وأرجو ألا تفضح أمري فينقطع عيشي في هذا البيت، فسأله عما به فقال: أوصاني أحد الأشخاص بأن أضع لك السم في طعامك فوضعته في طبق سيقدم إليك بعد قليل فلا تقترب من هذا الطبق أو تأكل منه، وقد استيقظ ضميري وجئت لأحذرك لأني لا أستطيع عدم تقديمه إليك فأصحاب السهرة أوصوني بتقديمه إليك خصيصا تكريما لك، وهم لا يعلمون ما فيه ولكن فلانا، ولم يذكر اسمه، أعطاني مبلغا من المال لأدس لك السم في هذا الطبق دون علم أصحاب السهرة، ففعلت فأرجو ألا تبوح بذلك فينفضح أمري، ولما تم وضع الطبق الذي فيه السم عرفه الشيخ كما وصفه له الطباخ وادعى الشيخ بعض الإعياء أمام أصحاب الدعوة، ولكنهم أقسموا عليه فأخذ كسرة خبز كانت أمامه قائلا: هذا يبر يمينكم ثم تركهم وانصرف. وبعد حياة عامرة بذكر الله أصيب في عام 1966 بمرض دوالي المريء وظل يقرأ القرآن رغم ذلك حتى وافته المنية يوم الجمعة 20 يونيو 1969.