في ضوء ما يشهده العالم من تغيير كبير تجاه منظومة المؤسسات الإعلامية إلا أن تلك الدول اختلفت في التعاطي مع هذا التغيير، في الوقت الذي تفرض شركات التقنية العالمية أيديولوجيتها التسويقية على تلك المؤسسات مما أثر على التعاطي مع مبادئ العمل الإعلامي العالمي في الحياد ونقل الوقائع بحقيقتها إلى جانب الطرح الذي يرضي المتابع في ظل نباهة الكثير من قراء الأجيال الحديثة. لذا فالتعاطي مع الإعلام يعد من أصعب المهن في الوقت الراهن لا سيما وأن إقناع المجتمع العالمي يتطلب إيجاد قوة في الطرح وحقيقة تلامس الواقع بعيدًا عن البروباغاندا التي يكون تأثيرها وقتيًا لقضاء وقت الفراغ الذهني والنفسي لدى النشء. والابتعاد عن الوعود التي قد تكون غير مقنعة في ظل وجود تحديات غير معروفة يمكن أن تؤول بأي عمل إلى الفشل، فالإعلان يجب أن يقترن بحضور كبير على أرض الواقع يحدد ملامح النجاح أولًا بأول وتفعيل الفكرة بإنجاز ولو حتى بسيط مقارنة بما يتطلع له الكثير. فإن الإنجاز ولو بنسبة 1% يعد بالنسبة للجمهور أمرًا مهمًا في ظل وعود دون إنجازات. كما أن تطوير منظومة المؤسسات الإعلامية لا يعني وجود صُحف تطبع أو بيانات تتلى أو مواقع تنشر أو حسابات في السوشال ميديا يتم من خلالها البث كإثبات وجود ليس إلا، بل هو عمل مؤسسي متناغم بين المتابعة والرصد والبحث والرد والأرشفة إلى جانب المقارنات واستثمار كافة المناسبات العالمية والمحلية بما يتسق مع الواقع لا الخيال أو الوعود. والتطوير يتطلب إيجاد مؤسسات ذات أبعاد مختلفة ترتكز في خط استراتيجي واضح يضمن الشفافية في الطرح والنقد والبحث والدراسة، وألا يتم النشر وفق توجيهات لأن ذلك يتعارض مع الفكر الحقيقي للمدرسة الإعلامية العالمية التجارية والتي تديرها اليوم مؤسسات كبرى. وهذا يؤكد مدى الحاجة إلى إعادة دراسة مفهوم تطبيق وتنظيم العمل الإعلامي لدى كثير من المؤسسات بما في ذلك الدول. يعتقد الكثير أن تأثير مشاهير السوشال ميديا سيكون عوضًا عن المؤسسات الإعلامية الاحترافية لكن الواقع أنهم ليسوا سوى نوافذ لنشر بعض الأفكار المحدودة والمؤقتة التي لن تساعد بشكل كبير في مسيرة واستراتيجية وخطط المؤسسات والدول وبالتالي الفكر الفردي قد ينعكس سلبًا حتى على سلوكيات المجتمع مما يؤثر على البرامج والخطط العامة وبالتالي لن يكون التأثير أكبر فيما لو كان ضمن عمل مؤسسي يتضمن مراكز خبرة ودراسات وخبراء في المهنة قادرين على إيصال الرسالة بما يتسق مع تطلعات الدول وبشكل مضمون يحقق المستهدفات لأي دولة. إن البرامج والفعاليات الإعلامية تتطلب جهدًا في تحقيق المستهدفات وفقًا لخطط نموذجية بعيدًا عن الأفكار السريعة التي لا تستند على دراسة جدوى يمكن أن تحقق من خلالها أهدافًا مادية وفكرية وسياسية، لكن بعيدًا عن التأثير المتعمد الذي تسعى من خلاله تلك المؤسسات لمحاولة الإقناع بالقوة في حين لو كان الطرح مبهمًا ويساهم في التفكير الناقد الذي يمكن الحصول على إجابته عبر أداء المؤسسات المستهدفة على أرض الواقع. وبالتالي فإن المؤسسات الإعلامية العالمية والمؤثرة في مجريات الأحداث والتي أصبحت مرجعية للأسف حتى لمؤسساتنا الإعلامية خصوصًا الصحافة والقنوات المعروفة والقديمة على سبيل المثال تجد حضورًا عالميًا كبيرًا على الرغم من أنه مضى وقت كبير على إنشائها ولكنها استثمرت التاريخ العريق لها في أن تثبت وتنتشر أكثر وتتطور مع تطور الوسائل ولم يتم إقفالها أو حتى انهيارها. وبناء المؤسسات الإعلامية من جديد مشكلة كبرى، بل الأفضل استثمار الموجود والمؤسسات ذات التاريخ العريق وبالتالي يؤسفني أن مثل صحيفة الحياة اللندنية في السعودية على سبيل المثال أو أي مؤسسة عربية ذات تأثير في شريحة كبيرة أن تتوقف في ظل إمكانية أن تستمر بقوتها السابقة وتستثمر المعطيات التاريخية لها. إن نسف أي جهود وخبرات قديمة للبدء في فكر جديد قد لا يفيد في الوقت الراهن بل يستنزف الوقت والجهد لتحقيق نتائج على مدى عشرات السنين مما يؤثر على مسار العمل الحالي ويضعف الجهود ويشكل عبئًا على الكثير من الدول فيما لو تم استثمار القديم وتطويره إلى جانب بناء مؤسسات حديثة من رحم المدارس التاريخية والقوية.