على رغم أن ثمة توسعاً كبيراً لافتاً في عدد الفضائيات الكردية، إلا أنها في جلها ما زالت قاصرة الى حد كبير عن مواكبة أو اعتماد"الميكانزمات"والمعايير الإعلامية العالمية الحديثة. وبطبيعة الحال، فإن الأكراد في مختلف أجزاء كردستان، في تركيا وإيران والعراق وسورية، هم في أمسّ الحاجة الى بلورة استراتيجية عمل إعلامية احترافية وفاعلة. فنحن في عصر الصورة والإعلام، كما لا يخفى، وليس من قبيل المبالغة القول ان الإعلام غدا سلاحاً فاعلاً وفي بعض الأحيان فتاكاً أيضاً حيث ترصد له موازنات ضخمة طائلة وتوضع له استراتيجيات متكاملة الى درجة ان الحروب الإعلامية غدت، ولا غرو في ذلك، ظاهرة لافتة في العلاقات الدولية بحيث انها تكون أحياناً أشد وقعاً وتأثيراً حتى من الحروب العسكرية المباشرة. والمؤسف أن هذه الأخيرة كثيراً ما يتم الإعداد والتسخين لها إعلامياً حيث انها تكون نتيجة لتطور التراشقات والحملات الإعلامية المتبادلة بين الأطراف المعنيين. من هنا، فإن الإعلام لا سيما المرئي منه يمكن أن يشكل سلاحاً حيوياً في يد الأكراد لتفنيد التلفيقات و"البروباغاندا"المعادية لهم، والتي ما فتئت تبثها وتروجها في حقهم ترسانات إعلامية كاملة في الدول المقتسمة لهم. وعلى الأكراد إذاً، وفي سبيل كسب معركتهم الإعلامية هذه، أن يرتقوا أكثر فأكثر بإعلامهم خطاباً وأداء ومؤسسات بعيداً من الانفعال والاعتباطية وردود الأفعال التي لا تؤسس أبداً لإعلام عصري مبادر وهادف. ولا بد من الانفتاح كردياً أكثر فأكثر على القوميات الغالبة في الدول المقتسمة لهم، ومخاطبتها عبر الفضائيات الكردية بلغاتها التركية والفارسية العربية بما يدحض الدعاوى العنصرية السلطوية في تلك البلدان، والهادفة الى تأليب هذه القوميات على القومية الكردية. وبالعكس من خلال التشديد على المضامين التحررية والديموقراطية الإنسانية الجامعة للقضية الكردية، وعلى القواسم الوطنية المشتركة التي تجمع القومية الكردية مع هذه القوميات لجهة دمقرطة هذه الدول وتحديثها وبناء مجتمعات مدنية حيوية فيها، وصولاً الى إقرار حلول سلمية حضارية للقضية الكردية في كل واحدة من هذه الدول. ومن الواضح أن من شأن هذا أن يبدد الشكوك والهواجس المترسخة الى حد كبير في الوعي الجمعي لهذه القوميات تجاه القضية الكردية، ويصحح الكثير من الانطباعات النمطية الخاطئة والتصورات المشوهة المغلوطة عن الأكراد السائدة لدى هذه الشعوب، بما يدشن علاقات صحية تكاملية بينها وبين الأكراد على أسس التكافؤ والاحترام المتبادل وقبول الآخر. والفضائيات الكردية مطالبة علاوة على ذلك بالعمل بوتيرة أكبر على التواصل مع مختلف شعوب العالم وباللغات العالمية الحية الانكليزية والفرنسية والألمانية... بغية تعريف العالم أكثر فأكثر بالقضية الكردية، وبما يقدم صورة عصرية صحيحة عن الأكراد حول العالم، لا سيما في أميركا الشمالية وأوروبا التي توجد في دولها جاليات كردية ضخمة. والمؤكد أن هذا الأمر من شأنه تفعيل نشاط هذه الجاليات وتوسيع آفاق عملها وصولاً الى تشكيل"لوبيات"كردية قوية في البلدان الفاعلة في المشهد الدولي. وهنا تكمن محورية دور الفضائيات الكردية في تعميق التواصل مع الأكراد في هذه المغتربات، بغية استثمار الطاقات الكردية المهاجرة وتوظيفها في سياق بلورة أو تكريس علاقات كردية استراتيجية بنّاءة مع مختلف شعوب العالم ودوله، لا سيما تلك التي تقطن فيها جاليات كردية كبيرة كما هي الحال في معظم دول أوروبا والى حد ما أميركا وأستراليا. وواضح أن هذا ينعكس ايجاباً على وزن القضية الكردية وحضورها في المحافل الدولية، إذ ليس كافياً اكتفاء الأكراد بالتشديد على كونهم شعباً مضطهداً ومغلوباً على أمره، فلا بد للأكراد والحال هذه من إيلاء أهمية أكبر لتطوير منهجياتهم الإعلامية، ذلك أن الإعلام، لا سيما المرئي الفضائي منه إن أجيد توظيفه والتعاطي معه بحرفية ومهنية متقنتين، سيشكل عاملاً أساسياً في رفد جهود الأكراد لإحقاق حقوقهم وإظهار عدالة قضيتهم بما هي قضية قومية ديموقراطية بامتياز. فعلى الإعلام الكردي بعامة والفضائيات الكردية بخاصة والحال هذه المضي بوتائر متصاعدة خلاقة في طرح رؤى الأكراد وخياراتهم الديموقراطية الحضارية وطموحاتهم القوية والوطنية المشروعة بكل مثابرة وشفافية وثقة.