يُعدُّ عقد المؤتمرات واللقاءات العلمية في الجامعات والمراكز العلمية ظاهرة صحية، يجب الاهتمام بها ودعمها لتؤتي ثمارها، ولكل مؤتمر أو ندوة جامعية أهداف وغايات مختلفة، وقد يكون الهدف منها مجرد تلاقح الأفكار وإثراء المعرفة، إلاَّ أنَّ مثل هذه اللقاءات تجعل الباب مفتوحاً أمام تعاون وتعارف العلماء والمتخصصين والمهتمين، وهذا -دون شك- هدف نبيل وغاية سامية لمد جسور العلم والمعرفة في جميع المجالات، إلى جانب تبادل الخبرات، وكذلك التعارف وخلق فرص منفعيّة أخرى، إضافةً إلى الخروج بتوصيات ختامية يمكن تطبيقها على أرض الواقع، بحيث تعمل على التطوير وتحسين الأداء وجودة المخرجات، التي ينتظرها المجتمع من هذه المؤسسات، بيد أنَّ إهمال هذه التوصيات وجعلها حبيسة الأدراج يتطلب إعادة النظر في الأمر ومتابعة تنفيذ هذه التوصيات، أو تقنين هذه المؤتمرات. وهناك من يرى أنَّه من الأجدى أن يتم في بداية كل مؤتمر استعراض توصيات المؤتمر الذي سبقه، إلى جانب وضع لجنة متخصصة لدراسة التوصيات وفرزها من خلال معايير الجودة المطلوبة ومتابعة تنفيذها، وكذلك تأسيس رابط أو موقع للتصويت على أهميتها وجدواها من قبل الحاضرين والفئة المستهدفة من عقد المؤتمر، على أن يتم تنفيذ ومن ثمَّ تدوين التوصيات التي تحصل على أعلى نسبة تصويت في كُتيِّب وتوزيعه وتداوله، لتأخذ التوصيات طابع المصداقية. مؤتمرات روتينية وأوضحت «رشا الباني» -طالبة دراسات عليا- أنَّ العديد من المؤتمرات التي يتم تنظيمها تستهلك كثيرا من المبالغ المالية وتستنزف جهود الطاقات البشرية، مُضيفةً أنَّها حينما تحضر مؤتمرا جامعيا، فإنَّ الأضواء والمقاعد والأوراق والطاقات البشرية الحاضرة تُبهرها كثيراً، مُشيرةً إلى أنَّها ترى حينها ما يبهرها ويثلج صدرها، مُبيّنةً أنَّ الأفكار والأطروحات لو طُبقت لأصبحنا في مقدمة دول العالم. وأضافت أنَّه –للأسف- ما إن ينتهي المؤتمر إلاَّ وذهب المشاركون فيه إلى وجهتهم في الوقت الذي تبقى فيه التوصيات التي تمَّ الخروج بها حبيسة الأدراج، مُرجعةً السبب إلى أنَّ العديد من هذه المؤتمرات تُعقد كإجراء روتيني لإرضاء المسؤول، لافتةً إلى أنَّ معظم هذه التوصيات صورية لا جدوى منها، في ظل الخوف من التغيير وعدم تقبل الأفكار الجديدة، إلى جانب ضعف الهمم، وكذلك التحجّج بضعف الميزانية والشؤون المالية، إضافةً إلى وجود الفكر السائد الذي يرى أنَّ القديم أفضل من الحديث، وأنَّ الجيل الماضي أفضل من الجيل الحالي. كوادر مؤهلة وأشار «محمد بن سعد القرني» -طالب دراسات عليا- إلى أنَّ من أهم أسباب عدم تنفيذ التوصيات التي يتمّ الخروج بها من هذه المؤتمرات، مثالية الموضوعات المطروحة وارتفاع سقفها عن ما هو عليه الحال في الواقع، إلى جانب ضعف أوراق العمل المُقدمة، وكذلك ضعف الكادر المسؤول عن أعمال المؤتمر، مُضيفاً أنَّ الحاجة تدعو لإعادة النظر في هذه المؤتمرات ودواعي تنظيمها والثمار المرجو جنيها منها، مؤكداً على أنَّها لابُدَّ أن تُبنى على احتياجات الواقع وتحسينه وتطويره. وأضاف أنَّه لابُدَّ أيضاً من اختيار الكوادر المؤهلة لتنظيمها والإشراف عليها ومتابعة تفعيل مخرجاتها، مع وضع معايير علمية رفيعة المستوى لإعداد أوراق العمل وأساليب التنفيذ، مُضيفاً: «لكي نكون منصفين فإنَّه ليس كل مؤتمر جامعي أو لقاء أو ورشة عمل تبقى حبراً على ورق، بل إنَّ عدداً منها تُفعّل توصياته ويلقى اهتماماً تُرى نتائجه وتُلمس آثاره على أرض الواقع التربوي والتطويري». مؤسسات المجتمع وقالت «هنادي النواف» –طالبة ماجستير بجامعة الملك سعود-: «على الرغم من روعة نتائج وتوصيات كثير من المؤتمرات واللقاءات، التي تتمّ في رحاب الجامعات والجمعيات العلمية ومراكز البحث، إﻻَّ أنَّ فُرص الإفادة منها على أرض الواقع –للأسف- تكاد تكون معدومة»، مُضيفةً أنَّ المستفيد اﻷول منها هو من يحضرها من المتخصصين والمهتمين بقضاياها، التي تناقشها، ثمَّ الجامعة، التي تمَّ فيها اللقاء، فالمكتبة، التي سيُحفظ فيها ما تمَّ عرضه من أوراق عمل وما نتج عنها من توصيات. وبيّنت أنَّ الجهات التي ينبغي أن تستثمر هذه النتائج عادةً ما تكون بعيدة كل البعد عن الاطلاع عليها وتطبيقها والإفادة منها، موضحةً أنَّ من أسباب عدم فاعلية تلك التوصيات، هو وجود حلقة مفقودة في التواصل والشراكة بين الجامعة والمؤسسات المجتمعية ذات الصلة والاهتمام الواحد، لافتةً إلى أنَّ الترابط بين «وزارة التربية والتعليم» و»وزارة التعليم العالي» وسوق العمل –مثلاً- أمر هام جداً، حيث إنَّ مُخرجات الأولى تصقلها الثانية وتُقدمها للمجتمع، ومع ذلك لا نجد تواصل جاد وفاعل بينها. ظاهرة صحية وأكَّد «د. علي بن عيسى الشعبي» -عميد كلية ابن رشد للعلوم الإدارية بأبها- على أنَّ القليل جداً من توصيات هذه المؤتمرات واللقاءات يُنفّذ ويُتابع بالشكل الصحيح حتى نرى له انعكاسا على أرض الواقع، مُضيفاً أنَّ وجود مثل هذه اللقاءات يُعدّ ظاهرة صحية ومطلوبة تعكس مدى فاعلية المؤسسة التي تُنظَّم بها مثل هذه اللقاءات، سواءً في التعليم العالي أو التعليم العام أو أيّ جهة من الجهات الإدارية والخدمية، مُشيراً إلى أنَّها إن لم تُطبق وتُنفذ توصياتها على أرض الواقع وظلت حبيسة الأدراج، فإنَّه لا جدوى منها. وأوضح أنَّها تُعدُّ في هذه الحالة هدرا للمال والجهد، خصوصاً أنَّ هناك مبالغ كبيرة تصرف عليها، إلى جانب ضياع كثير من الوقت في التنظيم والتنفيذ، مُشيراً إلى أنَّ من أهم الأسباب التي تقف وراء عدم تطبيق هذه التوصيات، عدم وجود إدارة متخصصة بوضع خطط مستقلة لتنفيذ هذه التوصيات، بحيث تحدد الفترات الزمنية التي سينفذ بها كل قرار أُدرج ضمن توصية، إلى جانب تحديد المسؤول عن تنفيذه والميزانية المطلوبة، ومن ثمَّ تتمّ المتابعة الجادة لذلك. وشدَّد على أهمية بناء توصيات هادفة تحمل أبعادا فاعلة ذات أثر، ليس في الصياغة فحسب، بل في المحتوى والمضمون، مستشهداً في هذا الشأن بإحدى توصيات المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة، الذي عقد بجامعة الملك خالد في شهر صفر الحالي، مُبيّناً أنَّ إحدى التوصيات نصت على ضرورة إنشاء مركز متخصص لدراسة الإشاعة وآثارها ومخاطرها، موضحاً أنَّها توصيه تعزز مفهوم خاطئ لدى أفراد المجتمع، إذ إنَّ من الخطأ أن نُعزِّز الشائعة ونغرس جذورها في المجتمع بجعلها علما يبحث ويدرس. ثروة معلوماتية وقال «د. خالد بن فيصل الفرم» -رئيس قسم الوسائط المتعددة في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: «إنَّ توصيات المؤتمرات والندوات الجامعية المتخصصة ثروة علمية ومعلوماتية رفيعة لا ينبغي التفريط بها أو تجاهلها أو إهمالها في الإدراج»، موضحاً أنَّ عدم تنفيذ توصيات المؤتمرات ناتج عن عدم وضع لجان وآلية واضحة لتفعيلها ومتابعتها، إلى جانب ضعف أداء وفاعلية الكوادر البشرية، وكذلك غياب أنظمة المساءلة والشفافية وقياس أداء المؤسسة. وأكَّد على أنَّ كثير من التوصيات لو طُبقت في حينها لوفرت على الوطن الكثير من الخسائر وأسهمت في العملية التنموية بشكل فاعل، مشدداً على ضرورة إيقاف هدر هذه الثروات العلمية والمعلوماتية، وذلك من خلال إيجاد آلية عمل تسهم في استثمار هذه الجهود ومخرجات المؤتمرات وتجسيدها في العملية التطويرية وإشراك الجهات ذات العلاقة في الإطلاع على هذه التوصيات، وألاَّ يترك الأمر كعملية اختيارية للمسؤول في تبني التوصيات العلمية أو إهمالها. دراسات علمية ودعا «د. إبراهيم أبو هادي النعمي» -مشرف على إدارة الندوات والمؤتمرات بجامعة جازان- إلى عمل دراسات علمية تقيس مدى تطبيق هذه التوصيات على أرض الواقع، مُضيفاً أنَّ الأمر يحتمل نسبية منطقية تتعلق بمدى جدية المؤسسات التي تُنظّم هذه الندوات والمؤتمرات واللقاءات، مُشيراً إلى أنََّ هناك أسبابا لعدم تنفيذ هذه التوصيات، موضحاً أنَّ بعضها يتعلق بالجانب المعرفي «المعلوماتي» نفسه، وذلك من خلال عدم جدية بعض الأوراق المطروحة في بعض المؤتمرات وعدم إلمام بعض المتحدثين بالموضوع المُخصص لهم. وأضاف أنَّ من أسباب عدم تنفيذ التوصيات، أنَّها لا تخرج في صورة ناضجة ومكتملة، وذلك لأسباب تنظيمية تتعلق بالوقت المُخصص لصياغة التوصيات، وهو ما يكون عادةً في نهاية الملتقى، ممَّا يؤدي لعدم منح التوصيات حقها في الطرح، إلى جانب أنَّه قد تتم إنابة رئيس الجلسة لكتابة التوصيات وتمريرها بعد انتهاء المؤتمر، لافتاً إلى أنَّ من الأسباب أيضاً، البعد والتنافر بين الجانب التنظيري والتطبيقي ومدى إمكانية تحقيقها في الواقع، مُبيّناً أنَّ بعض المتحدثين في هذه المؤتمرات يتوقع أنَّ مهمته تنتهي بمجرد طرح موضوعه واقتراح بعض التوصيات. توصيات عامة ولفت «د. سالم بن سفر الغامدي» -مشرف وحدة المجلات العلمية بجامعة الملك سعود، وأمين مجلس الجمعية السعودية للعلوم الزراعية- إلى أنَّ معظم توصيات اللقاءات والمؤتمرات العلمية تأتي بصيغة العموم وغير محددة الجهة المسؤولة عن التنفيذ ولا الآلية المعتمدة لذلك، وبالتالي فإنَّها تفتقر لطابع الإلزامية، كما أنَّ بعضها غير منطقي ولا يتماشى مع احتياجات المجتمع والواقع، فيصعب تطبيقها وإنزالها كواقع لا يتماشى والاحتياج الفعلي. ورأت «د. سارة العيسى» -رئيسة قسم تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة الأميرة نورة- أنَّ عدم الرغبة في الاعتراف بالقصور والاعتياد على العمل الروتيني دون السعي للتغيير سبب هام لعدم تنفيذ هذه التوصيات، داعية لأن تكون التوصيات هادفة تتماشى مع ثوابت مجتمعنا، وأن تُعطي الإدارة العليا لأيّ جامعة الأمر الجاد بالتنفيذ مع الدعم والمتابعة المستمرة. خبرات عالمية وأكَّد «د. سعيد بن قاسم المالكي» -عميد شؤون المكتبات بجامعة الملك خالد بأبها- على أنَّ عدم واقعية الباحث والقائمين على المؤتمر مع عدم الإطلاع والإفادة من الخبرات العالمية في القضية أو المجال الذي عقد اللقاء من أجله، تُعدُّ عقبات أمام إمكانية تنفيذ هذه التوصيات، داعياً الجامعات إلى أن تتولى دراسة إشكالية عدم تنفيذ توصيات هذه اللقاءات والمؤتمرات للوقوف على الأسباب وعلاجها، على أن تُلزم أيّ جهة تتبنى مؤتمراً أو لقاءً علمياً في المستقبل بأن يكون هناك ملحق مضاف مع التوصيات حول طريقة تنفيذ التوصيات والجهات المسؤولة عن التنفيذ. واقترح أن تكون هناك جهة حكومية مسؤولة عن تتبع نتائج المؤتمرات واللقاءات العلمية في الجامعات السعودية، على أن تكون مهمتها تسويق الحلول والتوصيات لهذه الأنشطة العلمية وكيفية تطبيقها ومخاطبة الجهات التي يمكن أن تستفيد من هذه التوصيات وإعادة الدراسة والتنقيح لما يستحق منها. لقاءات مجانية وأرجع «د. صالح بن مبارك التركي» -مشرف عام على مركز الوثائق والاتصالات الإدارية بجامعة الملك فيصل بالأحساء- عدم تنفيذ هذه التوصيات إلى غياب صُنَّاع القرار، إلى جانب عدم اقتناع بعض الحاضرين منهم بما يطرح من توصيات، وكذلك كون معظم المؤتمرات واللقاءات التي تُعقد في المملكة مجانية في الحضور والمشاركة، ممَّا يضعف الفائدة المرجوة منها ويُقلل من شأنها، لافتاً إلى أنَّ كتابة البعض للتوصيات قبل اللقاء أو المؤتمر يفقدها المصداقية ويجعلها بعيدة عن الواقع؛ لأنَّ مادتها لم تُستمد من ورش وجلسات اللقاء. أمور مادية ورأى «أ. د. عبدالله بن سعيد الغامدي» -أستاذ دراسات عليا بجامعة أم القرى- أنَّ عدم تنفيذ هذه التوصيات يعود إلى أنَّ الدعوات التي توجه لحضور هذه المؤتمرات والمشاركة فيها يغلب عليها المجاملة والمحسوبية –على حد رأيه-، مُضيفاً أنَّ الكثير يُعرف موقفه أو ما سيكتبه مسبقاً، وقد يُدعى من ليست لديه القدرة على استيعاب ما يطرح، إلى جانب تأخير طباعة البحوث والتوصيات بسبب الروتين والأمور المادية، لافتاً إلى أنَّ القائمين على عقد هذه المؤتمرات يتوارون عن الأنظار بمجرد انتهاء الجلسة الختامية وما يرافقها من بريق إعلامي وفلاشات. التوصيات ثروة علمية ومعلوماتية لا ينبغي تجاهلها أو إهمالها في الأدراج محمد القرني د. علي الشعبي د. خالد الفرم د. إبراهيم النعمي د. سالم الغامدي د. سعيد المالكي د. صالح التركي د. عبدالله الغامدي