أحداث متسارعة ضجّت بها الرؤوس خلال الأسبوع الجاري، حيث عادت المواجهات الأمريكية مع الإسلام الراديكالي للبروز مجددًا في مشهد مسرحي يتكرر كلما أرادت الولاياتالمتحدة إشغال فتيل المنطقة. ولا غرو، فشعوب الشرق الأوسط تتميز بذاكرة الطيور، أي أنها ذاكرة قصيرة المدى فيسهل تمرير الأعمال الاستخباراتية والصفقات بسهولة وعزفها بالسمفونية الدينية المحببة لدى العالم الإسلامي والعربي على وجه التحديد. فيكفي أن تكون مصطبغًا برداء الدين حتى يطبل لك الإسلامويين ويفدونك بالنفس والنفيس حتى لو كنت والغًا حد الثمالة في جرائم ضد الإنسانية كما هو حال الميليشيات الإرهابية التي تعاملت معها أمريكا. وفي ختام المشهد الهزيل أعلن الرئيس بايدن أنه مصدوم من إنهيار الجيش النظامي الأفغاني أمام قوات طالبان وبعدها هلل الإسلامويون بالنصر المبين. لن أناقش هنا العمق السياسي للحدث، لكن الحديث عن التحديات الاقتصادية هي ما تقود هذه التحركات الأمريكية في منطقتها كالعادة لما تكتسبه من أهمية جيوسياسية لأمريكا والدول الكبرى. مرة أخرى يتراجع مؤشر النفط لينخفض دون 70 دولارًا للبرميل مع تلويح دول مجموعة السبعة G7 بفرض ضرائب ورسوم على الواردات النفطية والبتروكيماوية في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني أكبر مستورد للنفط في العالم من 7.8% نسبة متوقعة إلى 6.8% نسبة محققة في يوليو. وبالرغم من التهويل الإعلامي فيما يتعلق بمتحور دلتا لفيروس كوفيد- 19 فإن الاقتصاد الصيني والأمريكي واقتصادات مجموعة العشرين G20 قادرة على تلافي مضاعفة أثر الجائحة بحلول أكتوبر من خلال تسريع وتيرة إعطاء اللقاحات وانحسار انتشاره بين الأشخاص الذين أخذوا جرعتين. لقد عادت أفغانستان إلى المشهد السياسي مجددًا في تحدٍ أمريكي جديد لخطة النهضة الاقتصادية الصينية وتحديدًا مبادرة الحزام والطريق التي تستهدف الصين استكمالها بحلول 2049 على أن يتم تدشينه على مراحل متعددة هدفها الأساسي فتح نافذ اقتصادي برّي للصين والخروج من هيمنة القوة الأمريكية على أعالي البحار من جهة، وتوسيع نفوذ الصين عالميًا من خلال منطقة الشرق الأوسط والتأثير على المضائق التجارية المهمة من خلال أسلوب التبادل التجاري والازدهار الشرق أوسطي. ليس لدى الغرب أسلوب أفضل من مواجهة الصين عبر بوابة آسيا الوسطى وتحديدًا أفغانستان وحتى لو أدى الأمر إلى إذكاء حرب بين الهند وباكستان كمرحلة لاحقة. ما يهم الأمريكيين كما صرّح الرئيس الأمريكي أكثر من مرة أنهم يستهدفون (احتواء الصين)، ويحق لأمريكا ما لا يحق لغيرها في أعين الديمقراطيين، فهي ستضرب بكل قوانين حقوق الإنسان عرض الحائط ما دامت لا تخدمها في هذه المرحلة، وأقصى ما سيفعلة (الأعداء) هو النحيب والعويل. عادت طالبان للمشهد، بعد أن خرج لاعب (داعش) مؤقتًا، وسوف يتباطأ بلا شك النمو الاقتصادي الصيني، ما يستدعي انخفاض الطلب على النفط، في حين تبزر أوروبا بتقنيات الهيدروجين كطاقة بديلة وهو ما كانت السعودية والإمارات ومصر قد تنبهت له مبكرًا وسعت لتعزيز الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط وخفض الاعتماد على النفط والغاز. لذلك تشترك كل الدول في الشرق الأوسط في مواجهة تحدي بدائل الاقتصاد والخروج من دائرة الزبائن طويلي الأجل إلى المصدّرين طويلي الأجل. ومعنى هذا أن تتحول بلدان الشرق الأوسط إلى بلاد مصدّرة لكل مصادر تعظيم الاقتصادات بدءً من الطاقة النفطية والغاز والطاقة المتجددة رخيصة الثمن وصولاً إلى تقنيات الذكاء الصناعي والإبداع منخفض التكلفة والسياحة والثقافة. سوف يكون لزامًا على دول الشرق الأوسط الاتحاد لمواجهة الشمّاعة الأمريكية الجديدة ما سوف تعرف باسم (الأفغانوفوبيا) وهي الترهيب من أفغانسان وطالبان وجعلها بعبعًا دائمًا لقلقلة الأوضاع حتى إشعارٍ آخر. ويجب تفويت الفرصة على الغرب من خلال العمل على استقرار الأوضاع أو على الأقل خفض حدة تأثيرها في كل من أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ولبنان من أجل ضمان صعود النهضة الاقتصادية والازدهار في المنطقة. على هذا تبرز الصين وروسيا كخيارات فنية وسياسية. فهل ستكون الصين أهم أدوات مواجهة (الأفغانوفوبيا)؟ أنا أعتقد ذلك.