لم يختلف الرئيس الأمريكي الجديد بايدن عن أسلافه في الهجوم على الصين وإن كان يميل للدبلوماسية في تعامله معها دون خوض حروب من أي نوع، سواء تجارية أو حتى عسكرية، لكنه يردد التوجهات نفسها التي ترمي لمجابهة المنافس الأكبر على سيادة أمريكا على الاقتصاد العالمي؛ فجوهر الخلاف اقتصادي بامتياز، وقد ينظر البعض إلى أنه خلاف بين دولتين، لا علاقة كبيرة للعالم بنزاعاتهما، لكن الحقيقة غير ذلك؛ فهما أكبر اقتصادين بالعالم بما يعادل 40 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، ويستحوذان على نحو 25 في المئة من حجم التجارة الدولية، وعدد سكانهما يمثل 23 في المئة من سكان العالم، ويستهلكان قرابة 34 في المئة من النفط المنتج يوميًّا في العالم.. فكل هذه الأرقام الضخمة تجعل منهما مؤثرَين بأدق تفاصيل الاقتصاد العالمي. فمنذ أن دخل الرئيس بايدن البيت الأبيض تحركت الماكينة الدبلوماسية الأمريكية باتجاه تفعيل خطته لمواجهة الصين. فصحيح أن ما يظهر هو حراك سياسي، لكن هدفه هو تشكيل التحالف الذي يريد أن يواجه به الصين، فبدأ بإعادة الثقة للعلاقة مع حلفائه الأوروبيين والكنديين، التي اهتزت في عهد الرئيس السابق ترامب، ويتجه لدول شرق آسيا، وأيضًا لإعادة إحياء العملية السياسية بالشرق الأوسط لحل النزاعات بالدول التي ضربتها الفوضى، وذلك عبر تعاون مع الحلفاء والشركاء بالشرق الأوسط، وسيكون لهم تحرك في إفريقيا التي تنتشر في 49 دولة، منها عشرة آلاف شركة صينية، وتم ضخ استثمارات كبيرة للصين فيها؛ فقد شعرت أمريكا بخطئها الذي كرسته إدارة الرئيس أوباما عندما انسحبت من الشرق الأوسط، وأهملت العلاقة مع إفريقيا؛ وهو ما أعطى الفرصة للصين وروسيا بأن تتحركا لكي تعززا من علاقاتهما التجارية مع دول المنطقة، بتعاون سياسي وعسكري أيضًا لتعميق العلاقات تحديدًا في إفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط. فما يبدو حاليًا أن إدارة بايدن توصل الليل بالنهار لمعالجة الثغرات التي أصابت جدار تحالفات أمريكا التي بنتها عبر عقود مع حلفائها، إضافة لتسريع الخطوات لمحاولة كبح نمو الصين الذي لا يبدو أن لأمريكا تلك القدرة على خفضه بقوة؛ فالصين باتت تمثل 18 في المئة من اقتصاد العالم، وترتبط بعلاقات تجارية ومصالح ضخمة مع دول العالم كافة، ولا يمكن منافستها بسهولة، ولا يعني تحرك إدارة بايدن نحو تشكيل تحالفها ضد الصين أنها ستتمكن من إقناع الجميع بفكرتها؛ فما تراه من مصلحتها لا يعني بالضرورة أنه مصلحة للدول الأخرى التي تريد لها أن تكون بجانبها؛ فالعالم اليوم لم يعد أمريكيًّا كما هو الحال بعد نشوة تفكك الاتحاد السوفييتي التي عاشتها أمريكا أعوامًا قليلة؛ فقد ظهر تكتل منطقة اليورو والصين، وتحاول روسيا أن تعيد بعضًا من أمجادها السابقة، وتدخل الهند والبرازيل والعديد من الدول على خط المنافسة والتأثير بالاقتصاد العالمي، وكل دولة أو منطقة ستنظر لمصالحها في المقام الأول، وهو ما سيمثل تحديًا كبيرًا لإدارة بايدن؛ فالصين أصبحت الرقم الصعب والأساسي في معادلة نمو واستقرار الاقتصاد العالمي. لن تكون دول العالم على توافق مطلق مع إدارة بايدن في ملف مواجهتها للصين؛ ولذلك ستضطر غالبًا للقبول بالدور الاقتصادي لكل دولة ومنطقة، وعلى رأسها الصين، ولكن ذلك سيبقى صداعًا مزمنًا لأمريكا، وخصوصًا مع توسع التحديات والمنافسة التي قد تضرب أهم أسلحة أمريكا بالاقتصاد العالمي، ألا وهو عملتها الدولار إذا انخفض وزنه بالاحتياطيات الدولية كما يحدث منذ قرابة العشرين عامًا في حال توسعت العمليات التجارية بين الدول بعملاتها بعيدًا عن الدولار.