«الحوار» في اللغة هو الرجوع عن الشيء والارتداد عنه، و«حار عن الأمر» و«حار إليه» بمعنى رجع عنه أو رجع إليه، أي بمعنى مراجعة الكلام وتداوله (الأخذ والعطاء). والتحدث والإنصات علاقة ثنائية لفظية بين شخصين أو أكثر، وبمعنى آخر هو التواصل الإنساني بين الناس، أفرادا وشعوبا، فالإنسان بغريزته الفطرية يأنس بالحديث ويستلذ به، فبه (الحوار) تُفتح آفاق وعوالم وقلوب! «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا». سنة الله في خلقه الاختلاف والتباين بين الشعوب والأعراق والأجناس (ذكر وأنثى)، وبالحوار ينمو التعارف، ليثمر تآلفا وتقبلا للآخر أيا كانت خلفيته التي يأتي منها، فالعالم رحب ويتسع للجميع. ولكن ليثمر الحوار، ويتأتى النفع الذي يُرجى منه، لا بد من أساس يُبنى عليه، وقاعدة تُدعم بنيانه، ومن هنا يأتي مصطلح «فن الحوار». «فن الحوار» قائم على احترام الآخر بعيدا عن التعصب والتشدد، والمغالاة في التمسك بالرأي، ومنح الآخر حقه في حرية التعبير وتقبل الاختلاف، فكل إنسان له وجهة نظره، ولا يحق لأحد مصادرتها أو الانتقاص منها بشرط ألا تتعدى حدود الأدب. الحوار خُلق حسن بين المتحاورين، فتلطف بالكلمة، وتجمل في الرد، وترفع عن سفاسف الأمور، وتغافل عن الأخطاء، فبه تحصل المودة والألفة بين الناس، وليس بأدبه نعنى فقط، ولكن حتى مساوئه التي قد تحيل «الحوار» لحرب كلامية وتراشق بالذميم والساقط منها، لتغدو مجالسنا أرضا خصبة للتباغض والتناحر، واستئثار أحدنا دون غيره بالحديث، مما قد يكثر لجه ويفنى نفعه. الاستئثار بالحديث في المجالس سمة البعض، فتجدهُ تارة يشرق وأخرى يُغرب، إن فقه ما يقول وإن لم يفقه. لا يسمع غير صوت نفسه، ولا منطق إلا منطقه، وكأن الآخرين يدورون في فلكه وفلكه وحده!. يختال أنه «سيد الكلمة»، ولا يعلم أنه بفعله هذا يُنفر الآخرين منه، ويسم نفسه بما نهى عنه المصطفى صلوات الله وسلم عليه: «إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم منِّي في الآخرةِ أساوِئُكم أخلاقًا الثَّرثارونَ المُتَفْيهِقونَ المُتشدِّقونَ». لتفتح لك القلوب قبل الأبواب، ترفق وتأنق في حوارك، وارتقي لترقى.