فكل إنسان مِّنَّا في هذه الحياة يدرك تمام الإدراك أن الصِّيام يعتبر عملاً إرادياً يستطيع بقدرة الخالق عزَّ وجلَّ أن يتحكم في مفاصل عاداته وتقاليده ورغباته وحاجاته المهمَّة إلى جانب السّيطرة على أخطر عضو مهم عند كل فرد من أفراد الأمَّة وهو (اللِّسان) وهو الَّذي يُعد من أشد الأعضاء وأكثرها شراسة وعنفواناً وانفلاتاً، فالواجب علينا كأمَّة مسلمة في هذا الشّهر المبارك التّحلي بالآداب الإسلاميَّة الصّحيحة والابتعاد بقدر الامكان عن حركات اللِّسان ونشاطه. ولاشك أن من يحاول الاقتراب من هذا العضو الحساس سيجد نفسه قد تخلى عن القواعد الإسلاميَّة في هذا الشهر الفضيل وعن أبي سَعِيد الخُدري رضي الله عنه عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (إذا أصبح ابن آدم, فإن الأعضاء كُلَّها تُكفِّر اللِّسان تقول: اتق الله فينا, فإنما نحنٌ بك: فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) رواه الترمذي. ويقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (سورة الشعراء آيه 84). وقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (سورة البلد آية 8-9-10). وقَالَ الطبراني والبيهقي: (أكثر خطايا ابن آدم من لسانه). وعن أبي هُريرة رضي الله عنهُ عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر, فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه. وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) متفق عليه. ومن مقاصد تلك الصِّيام استقامة اللِّسان ونزاهته وسمو رشده وصومه عن كل شأبه من القول فإن ضبط اللِّسان في كافَّة الأحوال فهو أمر يترجم قوة العزيمة.. والإصرار.. والإرادة.. فهي أهم ما يجب أن يتسلح بهما المرء في مشوار حياته وذلك من أجل حمل لسانه وتعويده على نطق الخير وكف الشر. فالعزيمة تجعل كل فرد مِّنا على أن يضرب بروح واثقة في كل طريق.. وتفتح أمامه طرق المقوِّمات التي تعينه على إنجاح ما يريد والإصرار.. يذيب كل المعوُّقات.. ويصهر الحواجز ويجعلها تتناثر أمامه بشكل كلي.. فلا يجد ما يمنع تقدمه.. ولا يقهر طموحاته. وبالعزيمة والثّقة والإرادة يبني الإنسان آماله... ويحمي أمانيه من السّقوط. ويقول نبي الرَّحمة مُحمَّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً, وإن من أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة: الثّرثارون, والمتشدقون, والمتفيهقون). - فالثّرثرة تعني / نزوة اللِّسان. - والتّشدق تعني / نزق اللِّسان.. والتفيهق تعني معصبية اللِّسان. ومن ثمار الصِّيام: حسن الخلق واستقامة اللِّسان على المعاني الجميلة والعبارات السّامية ذات المفهوم المتزن واللفظ النبيل والعبارات الراقية. والله الموفق والمعين... ** **