تمر علينا شخصيات كثيرة في حياتنا العملية أو حتى شخصيات إدارية لها حضور إعلامي، خصوصا كبار المسؤولين، حيث الفرق بين هؤلاء هو من يملك الرؤية، إذ يتمتع القائد الناجح برؤية بعيدة وإيمان راسخ بتحقيق ما يصبو إليه، والقائد بلا رؤية ما هو إلا مدير يؤدي ما يسند إليه من أعمال متكررة، أو قد يكون مديرا كالعبد يؤدي الأوامر من الإدارة العليا دون رأي، أو مدير ككلب الصيد يرسله المسؤول الأعلى، «مروض الكلب» للتخلص من خصومه لحماية نفسه من المنافسين. فصاحب الرؤية يعيش الحاضر ويفكر في تحسين المستقبل، مستلهما من الماضي وقائعه دون أن تكون عائقا أمام طموحاته، ولصاحب الرؤية قدرة في رسم الطريق، وتحدد الأهداف، ويرى ما بعد النفق، وربما يقترح وسائل عمل متعددة للوصول إلى الهدف، أما المدير فإنه يهتم بوجوده فقط دون هدف، فهو عشوائي متذبذب، يهتم بشكل مدير المكتب ونوعية كوب القهوة والضيافة لزواره والبخور، وكأس العصير وسلطة الفواكه والشوربة الذهبية بعد الظهر، وهذه العينات تكثر عليهم الشكاوى، وينفر منهم الناس وقد يكونوا سببا في هدم المنظومة، أو تخلفها على أقل تقدير، وبقائهم يقع على عاتق وتحت مسؤولية الإدارة العليا. شرط نجاح العمل الجماعي هو وجود قائد له رؤية بعيدة، وله قدرة على مخاطبة أتباعه بالطريقة التي يفهمونها، ويبين لهم النفع الذي سيجنونه من إنجاز العمل، على عكس المدير فهو يصل الى المنصب بالدعم من مسؤول فاسد أو بطرق ملتوية «الدنفسة» «الثعلب»، أو بطرق التدرج الوظيفي بعد عقود من العمل الروتيني. القائد غالبا ما يكون مفوها صادقا ويجيد الحديث أمام الجمهور، فإن من البيان لسحرا، وسحر القائد في قوله الصادق وقربه من مرؤسيه وإيمانه بما يعمل، وفق رؤية لا يمكن تحقيقها دفعة واحدة، وإنما هي محطات وأهداف تنفذ على مراحل، فالطالب الناجح في الكلية أو الجامعة لديه رؤية واضحة لما يريد أن يكون أو يحقق في المستقبل، وبناء عليه يرسم الأهداف التي ستوصله إلى مبتغاه. وأكثر الفاشلين في تحقيق رؤاهم هم من يضعون الجانب المادي كهدف وغاية، للاستحواذ على المال بطرق شرعية أو غير شرعية، والفاشلون عندما يستحوذون على المال فإنهم لا يحبون الخير لغيرهم أبدا، والفشل يقع لأن ذلك قد يقودهم إلى إهمال الجانب المعنوي، وقد يقودهم إلى البخل والتقتير، ومن المعلوم أن البخيل لا يسود بين قومه، بعكس الكريم الذي يواري بكرمه كثيرا من العيوب. وقد لا يقتصر الكرم على الجانب المادي، بل يتعداه إلى كرم الأخلاق والمعشر وحسن التعامل والاستقبال، وأهم معوقات تحقيق الأهداف هو تثبيط العزم أو تأخير البدء، لأن بداية الشيء هي أصعب مراحله، وتظل تفكر به دون أن تعمل شيئا حياله، ومع إيماننا العميق بمشيئة الله وحكمه النافذ في هذا الكون، إلا أن الله سبحانه منحنا العقل لاختيار ما يناسبنا، وأفضل وسيلة لمعرفة المستقبل هو أن تصنعه، وأعني به أن تتخيله كرؤية، ثم تضع أهدافا لتحقيقها، وبغير ذلك تكون كسائر في ليل مظلم بلا دليل، والإنجازات ليست بالتمني وإلا لأدركها الجميع، ولكنها إطلاق العنان للخيال المبدع والعمل الجاد التحقيقها. كثير من القادة وكثير من المجددين والمؤثرين في العالم، هم أصحاب رؤية ثاقبة وبمجرد حصوله على الفكرة فإنه يسرع في استثمارها، وبالطبع ليس كل فكرة تستثمر أو يكتب لها النجاح، إلا إذا كانت ذات فائدة لمن سيسهم في تنفيذها أو سيجني فائدة من نتائجها. وهناك آلاف الرؤى والأحلام التي لم يكتب لها النجاح، لأنها لم تجد الحماس الكافي لتطبيقها إما من صاحب الفكرة أو المتلقي لها، فالتصميم والمتابعة شرطان أساسيان لكل فكرة يراد لها النجاح، فإذا كانت هناك رغبة فهناك طريقة ما لتنفيذها، وإذا كان لديك الاهتمام الكافي فإنك ستحقق ما تريد ويقاس على ذلك كل عمل متقن. هناك فروقات كبيرة بين القائد والمدير، فالقائد شخصية ملهمة تشجع الموظفين على الإبداع والابتكار وتحقيق الهدف، بطريقة أفضل، أما المدير فيهتم بتطبيق الأنظمة واللوائح لتحقيق الهدف (كما هو مطلوب)، البعض لايفهم الفرق أصلا، ويعتقد أن الإدارة تعني التحكم بلا هدف أو رؤية، وهؤلاء يجب مكافحتهم؛ لأنهم كالكلاب المسعورة.