من الأقوال المشهرة للفيلسوف الفرنسي «جون بول سارتر» قوله (اختر نفسك). وهذه العبارة المكونة من كلمتين تحمل معاني كثيرة قد تتسع لتفاصيلها مجلدات، فأنت الذي تختار وجهتك في الحياة، وأنت الذي تختار تخصصك، وأنت الذي تختار رؤية الناس عنك، وأنت الذي تحتار أصدقاءك، وأنت الذي تختار موقفك من القضايا والرؤى والأفكار التي تتبناها وتدافع عنها، وأنت الذي تختار أيضاً أن تعيش دونما اختيار، تماماً كالقشة التي تقلبها الرياح، فتضعها هنا أو هناك فتضطر مجبراً على أن تتواءم مع الحياة والبيئة التي وجدت نفسك فيها بلا اختيار منك.. وهذه في مجملها هي التي تحدد رؤية الناس إليك، وكذلك رؤيتك نحو نفسك، فتكون في النهاية كمن يختار نفسه كما يقول سارتر. طبعاً الاختيار هنا مسألة نسبية، فأنت لا تختار أبويك، ولا تختار البيئة التي ولدت فيها، ولا المعلم الذي يُعلمك، وغيرها من الأمور التي لا علاقة لها باختياراتك. لكن هناك مساحات كبرى و واسعة في الحياة تستطيع أن تتحرك فيها، تجعل حياتك في النهاية هي من اختيارك وقرارك وليس من اختيار وقرار الآخر أياً كان ذلك الآخر. ومن يختار، أو بلغة أدق من يكون له الفرصة في الاختيار، قد يختار الطريق الصحيح، الذي إذا سلكه حقق أهدافه وغاياته، ولكنه معرض - أيضاً - إلى أن يختار الطريق الذي لا يتلاءم مع إمكانياته أو قدراته أو بعض التوجهات التي تحتاج إلى ملكة خاصة، لذلك فاختيارك المناسب لإمكاناتك شرط أساسي من شروط النجاح؛ ففتش أولاً على من تكون، وما هي إمكاناتك الذاتية، لتحقق أول اشتراطات النجاح. وقبل كل ذلك إذا اخترت اختياراً، وشعرت أنه اختيار سيئ، أو أنه لا يتناسب مع إمكاناتك، أو تعذر عليك أن تنجح فيه لأي سبب، فإن التمادي في الخطأ هو الفشل والسقوط معاً، والرجوع عنه قد يكون هو الخطوة الأولى للنجاح، فقد تكون عودتك عن التمادي في طريق الفشل تُيسر لك الطريق الأفضل لتحقيق ذاتك، وبلوغ أهدافك. وهذا ما يعنيه «همفري دافيد» عندما قال: (إني احمد الله على أن نجاحي في جميع مبتكراتي كان نتيجة فشلي)؛ وتُنسب إليه - أيضاً - مقولة أخرى مؤداها: (النجاح معلم فاشل, فهو يُغري الناجحين لكي يظنوا أنهم في مأمن من الفشل). ويقول «توماس أديسون» الذي أنار الدنيا عندما اخترع المصباح الكهربائي: (اكتشفت 990 طريقة فاشلة قبل أن اكتشف المصباح الكهربائي) ويقول أيضاً: (ضعفنا الأكبر يكمن في الاستسلام، وأكثر الطرق المؤكدة للنجاح هي أن تحاول مرة أخرى ولا تيأس). أي أن الإصرار، والمثابرة على المحاولة تلو المحاولة، والتخلص من اليأس، طريق مؤكد دائماً ما يقود إلى النجاح في النهاية. ويقول «برنارد شو»: (قد يفشل الرجل مرارا في عمله ولكنه لا يُعد خائبا إلا إذا بدأ يلوم غيره). وهذه كثيرٌ ما تواجهنا نحن العرب؛ فالفاشل يعلق فشله على الآخرين، أو على رئيسه، أو على الحكومة، وينسى أنه يتحمل قدراً كبيراً منه. وختاماً أقول: الإنسان هو الذي يصنع نجاحاته ويحطم متى ما تسلح بالإرادة والعزيمة والإصرار ما يعترض طريقه من عوائق. وتذكر مقولة إبراهام لينكولن هذه: (النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقدَ حماسك؛ فإذا فكّر كل من الناجح والفاشل في مشكلةٍ ما فإن الناجح يُفكر في الحل، والفاشل يُفكر في المشكلة). إلى اللقاء.