يُحكى أن رجلا، يُقال له «الملهب»، وكان ذا حلم عظيم، مر به رجل فسبهُ فأفحش في سبه، وهو ساكت، لم يتكلم. فمر رجل فسمعهُ يسبه، فرد على السفيه وخاصمهُ وأنكاهُ، ثم التفت إلي «الملهب»، وقال: «إلا انتصرت لنفسك؟!»، فقال «الملهب»: «يا ابن أخي، وجدت النصرة في الحلم، ولولا حلمي ما انتصرت لي». لكن للأسف، باتت الصدارة في مجتمعاتنا للقصاص بالكلمة قبل الفعل، ولا أبالغ أن قلت إن القصاص بالنظر يسبق الكلم!، وليس القصاص في الكلم والنظر فقط!، لكنهُ طال الكثير، فواقع العلاقات الاجتماعية اليوم المثل بالمثل!. «فلان قام لي أقوم له، عبس بوجهي أعبس بوجهه». يستحضرني المثل الشعبي «كل شيء سلف ودين حتى دموع العين»، الذي لا أعلم مصدره الحقيقي، لكن تعودنا سماعهُ وترديده!. الابتسامة دين، السلام دين، الكلمة الطيبة دين، المواساة دين، المشاركة دين. كل شيء في حياتنا دين واجب سدادهُ، والويل لمن غفل عن سداد دينه، لتقوم القيامة فوق رأسه، ويُسقى بوابل من المن والأذى، صنعت، فعلت له، كنت معه، دون مراعاة ظروف الآخرين، ربما أقعده مرض، عجز، وأي ظرف منعه عن أداء دينه. الحياة الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية لها نكهتها الخاصة، ولكل بيئة طابعها الخاص، العادات والأعراف هي ما يرسم حدود خصوصيتنا، ويميزنا عن غيرنا من المجتمعات، وقبل ذلك مبادئ ودعائم الدين السوي، فالإسلام منذ أشرق على الدنيا حبب في التواصل والتقارب، وجعل من الحب في الله صفة تدخل صاحبها الجنة، والكلمة الطيبة صدقة، وجبر الخاطر، والجار، والكثير الكثير، مما لا مجال لحصره، وكله يصب في صنع قالب اجتماعي متآخ متحاب برباط الدين القويم. لكن مع الوقت، تغيرت المفاهيم عند البعض، وصار القصاص سمة البعض في أقواله وأفعاله، متناسيا وضاربا بكل المثل والقيم الإنسانية عرض حائط، فالرد بالمثل، وأكثر من ذلك.