عاش الوسط الإعلامي حالة من الذهول، تجاه تحذير وكيل وزارة الثقافة والإعلام الدكتور ناصر الحجيلان، لرؤساء الأندية الأدبية، من الصحفيين بقوله "لا تسلموا رقابكم للصحفيين"، خلال ملتقى رؤساء الأندية الذي اختتمت أعماله أخيرا بمحافظة الطائف. واعتبر صحفيون وكُتاب، المسافة بين الثقافة والإعلام تضيق، بحيث لا يمكن أن يتم تحذير هؤلاء من أولئك، أو تأليب أولئك على هؤلاء، رافضين فرض الوصاية سواء على الأندية الأدبية أوعلى الصحفيين. فيما ذهب آخرون إلى أن مأخذ الحجيلان على الصحفيين، الذين يتعمدون "نشر الغسيل"، يحمل تأكيدا ضمنيا على أن هناك بالفعل ما يمكن اعتباره "غسيلا" يخشى نشره. ورصدت "الوطن" قراءة عدد من الإعلاميين للموقف، الذي أثار ردود أفعال قوية في الوسط الثقافي الصحفي. رئيس تحرير صحيفة الحياة، جميل الذيابي قال: هذا الحديث مردود عليه، وإن كان يملك ما يدعم زعمه فعليه أن يطرحه، ويواجه به الصحفيين، إذ إن ذلك واجبه ودوره، كونه مسؤولا في وزارة الثقافة والإعلام. وأضاف الذيابي "كان من الأجدر بوزارته تطوير أدواتها ومواكبة التطورات الإعلامية". مشيرا إلى أن هذه التهمة للصحفيين، ربما كانت مقبولة فيما لو صدرت عن مسؤول يصعب عليه استيعاب واجب الصحافة ودورها، لكن الدكتور الحجيلان محسوب على المجتمع الإعلامي، والشفافية تتطلب أن يُحاسَب قبل أن يهاجم الآخرين، كما قال. ويرى الذيابي أن الصحافة ليست مثل مؤسسات حكومية روتينية أخرى، وإنما تعتمد على المهنية والصدقية والموثوقية، والتنقيب عن الأخطاء، وتكريس مبدأ الشفافية، وطرح هموم الناس وطموحاتهم "وليس دورها التبجيل وذكر الإيجابيات". من جانبه، قال الناقد الدكتور سعيد السريحي "لا أعتقد أنه قد غاب على الصديق الدكتور ناصر الحجيلان، أن المسافة بين الثقافة والإعلام تضيق، بحيث لا يمكن أن يتم تحذير هؤلاء من أولئك أو تأليب أولئك على هؤلاء". وذهب السريحي إلى إن الإعلام والثقافة بينهما تشابه من حيث الحدث الذي يسعى كل منهما لتحقيقه، وبينهما تعاون لا يمكن لأي منهما أن يحقق رسالته دون أن يكون مُعانا من الآخر، مشيرا إلى أنه كان يتوقع من الحجيلان، أن ينصح الطرفين بمزيد من التعاون "غير أنه كما يبدو، رمى إلى أن تحفظ الأندية الأدبية استقلالية قرارها، بحيث لا يكون هذا القرار مرهونا للاتجاهات العامة للصحافة، وتبعا لأهواء هؤلاء أو أولئك". وأكد السريحي على أن إنقاذ الرقاب هو"تأكيد على استقلالية الأندية، ووضوح رسالتها لدى القائمين عليها"، موضحا أنه من حيث التوازن بين الإعلام والصحافة في الوزارة فكل هذه القنوات الفضائية، وهذه الصحف تؤكد "أن نصيب الإعلام وافر، وليس للأدب والأدباء سوى هذه الأندية". من هنا طالب السريحي "بدعم الثقافة من الوزارة، ببعض ما تدعم به الإعلام". أما مدير مكتب صحيفة الجزيرة بالطائف، والرئيس السابق للنادي الأدبي حماد السالمي، فأشار إلى أنه لم يأخذ هذا التصريح على محمل الجد، وقال "أعتقد أنه كان يمازح ويداعب رؤساء الأندية لا أكثر، إذ لا يعقل أن ينظر مسؤول في وزارة الثقافة والإعلام إلى الإعلاميين في بلده على أنهم جلادين أو جزارين"! وأشار السالمي إلى أن جل الوسط الثقافي في المملكة وفي الكادر الإداري للوزارة هم من الإعلاميين، وفي صفوف مجالس إدارة الأندية الأدبية ذاتها، وإذا لم يكن من دور للإعلام والإعلاميين إلا نقد إدارة العمل الثقافي، والمساهمة في تقويم اعوجاجه، فهذا يكفي، مضيفا أنه لا ينبغي أن يزرع هذا الدور "فوبيا" في الذهنية الإدارية الثقافية. لكن الدكتور عبدالله القفاري، وهو أحد مؤسسي "جمعية كتاب الرأي" حديثا، رأى أن جميع العاملين في إدارة الأندية الأدبية على درجة من الوعي، أو يفترض أنهم كذلك، ولديهم القدرة على محاكمة ما يقرؤون، وما يطلعون عليه، متسائلا عن كيفية تسليم الإنسان المتزن والعاقل الذي لديه القدرة على القراءة والأخذ والرفض والقبول والمحاكمة، رقبته للصحفيين، أو يسلم عقله لكاتب أو صحفي. وقال القفاري "إن وكيل الوزارة يخلط بين الكُتاب والصحفيين، وهو يقصد بعبارته الكُتّاب بالدرجة الأولى"، وأضاف: إننا اليوم نعيش في فضاء نقدي معاصر وواسع، وينبغي أن يتقبل المثقف وأعضاء مجلس الإدارة في الأندية الأدبية، النقد، ما دام في استطاعتهم الرد. وأشار إلى أن الصحافة في كل الأحوال تعد ممارسة ثقافية، يجب أن تُحترم وتُقدر، وإذا كان هناك خلل في الطرح أو المعالجة فالفضاء مفتوح. من جهته، قال مدير تحرير جوال عسير وعضو مجلس شباب منطقة عسير، محمد آل دوسري: "كنت أتمنى توجيه بعض الأسئلة للدكتور ناصر الحجيلان، بعد هذه الوصية لرؤساء الأندية الأدبية، ومنها: هل هناك من أزمة ثقة بينه و بين ما يمارسه من مهام؟ ولماذا الحذر في التعامل مع الصحافة إلا إن كان المسؤول يظهر شيئاً ويخفي أشياء أخرى يخشى وصولها إلى المتلقي؟ ويرى دوسرى، أن عبارة "نشر الغسيل" في حديث الحجيلان الذي حذر فيه من الصحفيين "الفضائحيين" كما يراهم الحجيلان تحمل اعترافا صارخا منه أن الأندية الأدبية التي يشرف على إدارتها تنوء ب"الغسيل" الذي يخشى نشره من قبل الصحفيين. وقال كنا نتمنى من الحجيلان أن يكرّس جهده ومساعدوه مع رؤساء الأندية الأدبية، للعمل على تنظيف هذا الغسيل قبل نشره، لا أن يضع الصحفيين هدفا لنقده حتى وإن كانوا هواة على حد تعبيره.