نظم ادبي حائل مساء الأحد الماضي محاضرة "الإعلام والثقافة" للأستاذ جميل الذيابي المدير العام لتحرير صحيفة الحياة في السعودية والخليج العربي وأدارها عضو مجلس الإدارة الأستاذ سالم الثنيان وسط حضور كبير من مثقفي ومثقفات وإعلاميي حائل. وبعد أن قدم الثنيان السيرة الذاتية لجميل الذيابي الذي أوضح انه بحاجة للابتسام لحائل وان تبادله حائل البسمة لأنه من عشاق المنطقة الشمالية مقدما شكره لرئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بمنطقة حائل الأستاذ محمد الحمد والأستاذ شتيوي الغيثي عضو مجلس إدارة النادي وأبان أنه وهو في طريقه من مطار حائل الإقليمي سأل عن ابرز ملامح التراث في حائل مشددا على أهمية اهتمام الهيئة العامة للسياحة والآثار بذلك التراث. وقال أن العلاقة بين الصحافة علاقة تكاملية وتوأمة تفاعلية تبادلية وأضاف "إن الصحافة يناسبها المثقف إذا تجمعهما قواسم مشتركة وإذا كان المثقفون يؤلفون الكتب فان الصحافة تعتبر كتابا يوميا بالنسبة للقراء يقرؤون فيها فصول كدحهم ومعاناتهم اليومية". واعتبر أن الصحافة والثقافة وسيلة لإنتاج الوعي وصناعة الأفكار وأضاف"لا تكتفي الثقافة والصحافة بأن تعكسا الواقع بل تقومان بدور الناقد إذ من الضروري أن يتم انتقاد الظاهرة سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو فكرية. وقال الذيابي: "من جانب آخر هناك علاقة بين الصحافة كوسيلة إعلامية مستقلة والثقافة كمؤسسات وأفراد، وهنا ربما تأخذ العلاقة منحى أخر فليست مهمة الصحافة دائما عكس الحراك الثقافي والعمل على انتشاره والترويج له وإنما أيضا انتقاد ما يحتاج إلى نقد في عمل المؤسسة الثقافية أو في سلوك المثقف ونمط تفكيره". وأوضح خلال حديثه بالمحاضرة أن الصحافة تتهم المؤسسات الثقافية بالجمود وعدم العمل على نهضة ثقافية ويطول الاتهام المثقف نفسه حين تتناوله بصفته "موظفا" هناك من يملي عليه أفكاره وتصرفاته أو تقليدي أو أناني ينصرف للترويج لنفسه". وكشف إلى أن الأزمة العالمية أصابت الصحافة بتراجع الإنفاق الإعلاني على وسائل الإعلام الذي تراجع بنسبة كبيرة جراء الأزمة العالمية ما أدى ذلك إلى زيادة الضغوط التشغيلية خاصة في قطاع النشر المتخصص والمجلات وتسبب في إغلاق 64 وسيلة إعلام خلال تسعة أشهر من بداية الأزمة فيما احتجبت 57 وسيلة أخرى عن الظهور بشكل مؤقت وأضاف"المعلومات المتوفرة في المنطقة العربية منذ بداية الرابع الأخير من عام 2008 وحتى نهاية النصف الأول من عام 2009 تشير إلى أن إجمالي عدد المجلات التي توقفت عن الصدور بلغ 103 مجلة منها 53 مجلة توقفت تماما عن الصدور في مقابل 48 مجلة علقت صدورها أو توقفت عن الطباعة الورقية وتحولت إلى الالكترونية. وذكر خلال حديثه إلى انه توقفت ثلاثة صحف عربية في دول الكويت والجزائر ومصر وفي المقابل تم تعليق العمل في صحيفتين في السعودية والجزائر. إضافة توقف 35 مجلة عن الصدور في السعودية والإمارات فيما تم تعليق العمل في 36 مجلة أخرى معظمها متخصصة في مجال العقار والمال والصحة. وأشار إلى أنه على صعيد المحطات التلفزيونية والقنوات الإذاعية فقد توقفت قناة"م لايف تي في "في لبنان وقناة البركة في مصر وقناة بحري تي في الكويت ومحطة آهلين الإذاعية في الأردن عن البث. وقال الذيابي: إن الصحافة حاليا تواجه خطر انتشار"المارد الالكتروني" بإمكانياته الضخمة ومميزاته المتعددة ومرونته الفائقة للتكيف مع مزاجية الإنسان وأوضاعه الذاتية. وأضاف: إن دراسة أمريكية كشفت عن انخفاض توزيع الصحف بنسبة 4.6 في المائة عقب انتشار الصحف والمواقع الالكترونية العالمية والتي تثبت أنها منافس عنيد وعتيد للصحافة الورقية بل أن كثير من الناس لا يتصفح الإخبار إلا عن طريق المواقع الالكترونية وليس عبر الأخبار الورقية وهو ما سيشكل خطرا داهما على الصحافة المطبوعة إذ أنه من الملاحظ حاليا انه لا تكاد وسيلة إعلامية ألا ولها نسخة الكترونية بهدف زيادة تأثيرها وحجم انتشارها. وأشار إلى أن وضع الصحافة الورقية بين مطرقة الالتزام المهني والحرفي الذي يميز الصحافة الورقية وسندان مقاومة تحديات العولمة وثورة الاتصالات التي تنقل المعلومة من مكان لأخر خلال ثواني معدودة دون الالتزام بأي معايير للنشر المفروضة على الصحف الورقية أسهم بشكل مباشر في الأزمة التي تعاني منها الصحافة الورقية إضافة لنقص الحرية الصحافية وحرية التعبير وهو ما أثبتته التقارير الصادرة عن جهات عربية مثل "مركز الحريات الصحافية في عمان"ودولية مثل "مراسلون بلا حدود"التي تصنف الدول العربية في خانة متدنية في مجال الحريات الصحفية. واعتبر أن المجتمعات في الجزيرة العربية هي مجتمعات طاردة للثقافة التي كانت في الفترات الماضية هشة في أخبارها وتحقيقاتها وتقاريرها وكتابها إلا أنها حاليا تعد صحافة رأي عام يقوم عليها نخبة من ابرز مثقفي البلاد. وطالب الذيابي بأن يكون هناك فصل بين الإعلام والثقافة وان لا يكون لهما مرجعية واحدة ممثلا بوزارة وقال"حتى لو تم إيجاد آلية وهيكلة تنظيمية للوزارة بينهما ألا انه من المفترض فصل الإعلام عن الثقافة وعدم دمجهما في وزارة واحدة". وأعرب عن امتعاضه من عدم اعتراف الدول العربية بالصحفي الذي لازال يعمل ولا يكتب في هويته الوطنية انه يمتهن الصحافة كعمل. وفتح مدير المحاضرة باب المداخلات التي افتتحها الزميل بندر العمار بتساؤل عن علاقة الذيابي بجمال خاشقجي رئيس تحرير الوطن والمشاكسات التي تحدث بينهما وأجاب أن العلاقة الحميمية بينهما هي العنوان الرئيس لعلاقتهما ببعض وقال ذات مرة قلت لخاشقجي "أنت رفيق الدرب والحرب" لأن الصحافة إذا اكتفت بأنها فقط صانعة للخبر الرسمي لن تكون مثيرة وجاذبة. وتساءل العمار عن دور هيئة الصحفيين في الوقوف بجانب زملاء المهنة ولماذا تحولت لناد ترفيهي لرؤساء تحرير الصحف وأجاب الذيابي ضاحكا "منذ خمس سنوات لم تقدم الهيئة أي شئ على الرغم من اجتماعاتها الشهرية إلا إنني وزميلي جمال خاشقجي رئيس تحرير الوطن بعد دخولنا لمجلس إدارة الهيئة عن طريق الاقتراع نأمل أن ترتقي الهيئة بدورها وتتجاوز النجاح بإقامة لقاء شهري مع احد المسئولين للدخول بعمق ما يريده الصحفي منها من حمايته ودعمه". وأشار خلال إجابته على سؤال ثالث للعمار أن الصحافة الورقية ستبقى موجودة على الأقل في العالم العربي لأن هناك فئات كثيرة من العرب لديهم تخلف اليكتروني. وأشار إلى أن الصحافة في عهد خادم الحرمين الشريفين تحقق إرباحا ولا تتحمل أي خسائر معتبرا أن الحرية الصحفية في عهد الملك عبدالله تتجه للأفضل. وفي إجابته للأستاذة وفاء العماش التي تساءلت عن جملة قالها خلال المحاضرة أن الصحف الالكترونية غير قادرة على استيعاب المثقفين أجاب قائلا: "لم أقل إن الصحافة الالكترونية غير قادرة على استيعاب المثقفين بل هي قادرة لكن على المثقف أن يعي أن عليه مسئولية التمدد بأفكاره والثبات في الالتزام والانضباطية في الإنتاج". وتساءل الزميل محمد الخمعلي هل يوافقه الذيابي بأن المؤشرات المقبلة لا تعطي أي ايجابية للصحافة السعودية قال الذيابي لست معك مطلقا بالعكس الصحافة السعودية مميزة وشخصيا متفائل جدا بالمرحلة القادمة. وطرح الدكتور سالم الفرحان ومنيرة الثويني عدة تساولات تلخصت في ماهية الكيفية التي قد تسهم في ردم الفجوة التي احدثتها أحداث 11 من سبتمبر إضافة لمدى إسهام وسائل الإعلام في إحداث التغيرات التي طرأت على شباب وفتيات السعودية نظير انفتاحهم على الإعلام الغربي. وأكد الذيابي أن تلك الفجوة حاول خادم الحرمين الشريفين ردمها من خلال مبادرته بالحوار الوطني والذي يعد منتجا أكثر من جيد إلا أنه أي المنتج عجز عن القيام بدوره كما ينبغي لخروج الحوار الوطني بعدد كبير من التوصيات الهامة التي لم تفعل كما ينبغي وبقيت حبرا على ورق في إدراج مسؤولي الحوار الوطني. وأشار إلى أنه من الممكن ردم تلك الفجوة بالحصانة من خلال ايقاض العقل والابتعاد عن التقليدية مبينا أن التعليم للأسف الموجود لدينا حاليا بالمناهج لا يشجع على التفكير لاعتماده على التلقين. وفي رده على مداخلة الزميل عارف السويدي حول من يحدد أجندة الإعلام هل هم الجمهور العربي أم المثقفين قال "للأسف الجمهور العربي والدليل نجاح مذيعة شهيرة ببرامج الغناء والرقص في الانتقال لقناة فضائية لتصبح مذيعة الإخبار الرئيسية وهو تصرف غير جيد ومضحك ويدل على ثقافة الجمهور. ونفى أن يكون المثقف متكبرا ومتعجرفا في مداخلة الأستاذة نازك عبدالباقي معتبرا أن ذلك قد يفهم منه ما أوردته السيدة وإنما مرد ذلك هو جموح المثقف للعزلة لرغبته الداخلية في الانعزال عن مجتمع لا يفهمه. وتركزت مداخلة الأستاذ ناصر الهواوي حول الغثاء الذي يعاني منه الإعلام وعدم محاسبة الصحفيين غير الدقيقيين في عملهم ورد عليه الذيابي أن المشكلة الحقيقية التي سيعاني منها الإعلام خلال الفترة المقبلة هي القنوات الفضائية الخاصة بالمناطق وقنوات القبائل الفضائية أضف لذلك العقلية التي تشتري "تيس" ب250 ألف ريال مع أن التيس قد يموت في اليوم التالي لذلك أتساءل لماذا لم يستثمر هذا المبلغ بمشروع تنويري للمجتمع. وقال بدر الجلعود: ما الرابط بين تمسك رؤساء تحرير الصحف السعودية ورؤساء الأندية الأدبية بكراسيهم لفترات طويلة، وأجاب الذيابي ضاحكا "أمضيت خمس سنوات في صحيفة الحياة وعلى صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان أن يستبدلني بشخص آخر بعد عامين عندما أكمل 7 سنوات من العمل لأن مكوث الشخص 7 سنوات كاملة في موقع واحد يكون قد قدم ما لديه وليس لديه أي جديد. وأشاد الأستاذ رشيد الصقري بالملاحق الثقافية في صحيفة الحياة معتبرا أنها جذبت كثيرا من القراء للصحيفة. وانتقد المهندس حسني جبر اختزال الذيابي للإعلام بالصحافة فقط وعدم التطرق للإعلام المرئي والمسموع ورد عليه الذيابي لم اختزل وسائل الإعلام بالصحافة لأن حديثي مركز عن الصحافة لتجربتي في الصحافة. ورد على خلف الحشر الذي تساءل عن تحيز بعض الصحف السعودية لكتاب ومناطق معينة قائلا"ليس هناك أي تحيز لأن الصحافة مرآة للمجتمع تعالج قضاياه وتضع المسؤول إمام الحقيقة. وقال براك البلوى"ذكرت أن التغيير أو التبديل في المناصب الثقافية من شأنه أن ينتج فكرا جديدا متألقا فما مدى تقبل المجتمع لهذا الجديد مادمنا ندور في حلقة مفرغة كمجتمع لأننا نتقدم ببطء شديد ومع ذلك في الغالب يرفض هذا الفكر الذي يعتبر دخيلا طالما هو خارج عن الموروث فكيف نخرج من هذه القوقعة ونتقدم بسرعة كسائر الدول المتقدمة؟. ورد الذيابي ليس في الشأن الثقافي فقط وإنما في شتى المجالات. وفي رده على تركي فهد الذي سأل هل الصحفيون مثقفون؟ أجاب من المفترض ذلك في حين تساءلت منيرة الثويني بأن هل أنت مع أو ضد "أنه كلما زادت الشفافية والجودة فيما يقدم إعلاميا كانت الاستفادة التربوية منه أكثر وتحول متلقي الرسالة الإعلامية إلى ما هو أجود وأفضل؟ وأجاب الذيابي"كلما زادت الشفافية في الجوانب الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية زادت الحرية في جميع الجوانب التي تهم المجتمع".