لم تألُ دولتنا جهدا في إكرام الفقراء وتحسين أوضاعهم والحفاظ على كرامة الإنسان حتى خارج دولتنا. ولكن الخلل يتجلّى في بعض الجمعيات الخيرية في إدارة شؤون الأسر المحتاجة، والتقصير في هذه الأمانة التي تعد من أعظم الأمانات، أادّقها شوكةً في ميزان الرحمة والإنسانية، ربما لعدم الزيارات الميدانية من قبل المسؤولين والوقوف شخصيًّا على واقع تلك الأسر المؤلم. ومع موجات البرد التي تجتاح البلاد هذه الأيام فإن هذه الأسر التي تتكون من شرائح كبيرةٍ من الأطفال والنساء وكبار السن يحتاجون للدفء ورعاية شؤونهم المعيشية والسكنية. من خلال زيارتي لبعض القرى التي توقعت أن يكون فيها عائلات تستحق الدعم والمساندة وبعد التواصل معهم لفترة طويلة وزيارتهم لمرات عديدة اتضح لي أن هناك خللا في بعض الجمعيات الخيرية في إيصال المساعدات التي يجب أن تكون من نصيب أؤلئك الفقراء. وعبر مواقع التواصل ترى توافد عدد من المواطنين وازدحامهم أمام الجمعيات الخيرية مع أن أكثرهم غير مستحق البتة، ما أقبح أن تخطف لقمة الفقير من يده وأنت غني وتقصد بذلك تحسين وضعك المالي أو توفير مصاريف منزلك العالي. إنها الأنانية وغيرها دوافع شيطانية كثيرة! ليس من الواجب على المسؤول أن ينتظر زيارة الفقير أو الفقيرة في مكتب الجمعية ليسأل حاجته أو تجهده بالمراجعات والتعقيد، فهو فقير ربما لا يمتلك وسيلة مواصلات أو حتى أجهزة تواصل أو أسباب أخرى تحفظ كرامة الإنسان فكثير من الفقراء (لا يسألون الناس إلحافًا)، و(تحسبهم أغنياء من التعفف). كتبت هذا المقال بدافع المسؤولية التي أرى أنها على عاتقي ولو لم أكلف بها ومن خلال تواصلي مع أسرةٍ فقيرة واطلاعي على أوضاعها المؤلمة. تتكون هذه الأسرة من عجوز كبيرة توفي زوجها وأبناؤها الاثنان أيضًا فكانت إعالة أرامل أبنائِها وأطفالهم والمسؤولية عن الأهل من نصيبها المزري، كما أنها تعيل بناتها المطلقات وأطفالهن في بيت واحد، والأطفال كُثُر. وتجد صعوبة في التنقل فليس هناك من الأطفال أو النساء من يستطيع قيادة السيارة في المدن أو المحافظات ليصل صوتها إلى المسؤول. هذا نموذج بسيط من خلال زيارتي لهذه الأسرة وغيرهم كثير. يجب على المسؤول عن هؤلاء الأسر أن يرعى الذمة فيهم فالدولة حفظها الله لم تدع سببا ينعم به الفقير إلا فعلته ورتّبت له. ولكن قصور بعض موظفي الجمعيات الخيرية في المحافظات والمدن عن أداء المسؤولية والإشراف الميداني والاطلاع والزيارة هو سبب بقاء بعض الأسر على بساط الفقر.