لا نذهب بعيداً حين نشبه الطفل بأداة امتصاص تلتقط كل ما يقدم لها، وتتأثر بهذا الكل بشكل أو بآخر، ومن هناك فإن هذا يلقي بمسؤولية كبيرة على صناع الدراما الموجهة للطفل، والتي لا تقتصر فقط على تقديم المتعة له، وإنما كذلك تعليمه، حتى اعتبرت وفي كثير من الدراسات الحديثة وسيلة تعليمية ناجعة يمكن أن تقدم المعرفة للطفل، شرط مراعاتها ومناسبتها لعمره. ومع أهمية الدراما وتوغل وسائل عرضها في حياتنا بشكل عميق للغاية، وبالتالي توسع مساحة تأثيرها، نلاحظ أن الطفل العربي عموما منسي درامياً وإلى حد كبير من التهميش، حتى أن معظم ما يقدم له من مواد لا يعدو أن يكون مستورداً ربما لا يتوافق مع بيئتنا ولا مع المفاهيم التي نحاول تكريسها في ذهن هذا الطفل، وتكاد الذاكرة تخلو تماما من اسم أي عمل تعليمي ترفيهي عربي موجه للأطفال باستثناء «افتح يا سمسم» الذي أنتجته مؤسسة البرامج المشتركة لدول الخليج العربي في جزئين كان أولهما عام 1979، والثاني عام 1982، و»حكايات بابا فرحان» وهو إنتاج سعودي قدم في 13 جزءا، وكان آخر أجزائه في عام 2004، وبعض البرامج البسيطة الأخرى، وبرامج الرسوم المتحركة المتفرقة التي لا تسمن ولا تغني. تأثير كبير تؤكد الأخصائية النفسية منى الأحمري، أن للدراما تأثيرا كبيرا على الطفل، وتقول «الطفل بطبيعته ماص لأغلب العادات والسلوكيات المحيطة به، ويتحدد نوع التأثير على حسب نوع المادة التي يتلقاها، فليس لديه التمييز الكافي للسلوكيات الإيجابية من السلبية، لذلك فإن دراما الطفل لا يجب أن تركز على العرض فقط، بل لها هدف أسمى وهو التأثير على شخصية الطفل وبنائه». وتركز الأحمري على أن الدراما يمكنها أن تضيف كثيراً إلى مهارات الطفل ومعارفه، وتقول «من المهارات والقدرات التي تساعد الدراما على نموها عند الطفل زيادة الحصيلة اللغوية، فالأطفال تقتصر حصيلتهم على بعض المفردات، ولكنهم يمتلكون القدرة على اكتساب واستيعاب عدد من المفردات الجديدة وتنمية الثقافة العامة، وتنمية القدرات المعرفية، إضافة إلى التمكن من القدرة عن التعبير عن النفس، وكذلك التحكم بالانفعالات». وأوضحت «لا توجد مواضيع محددة تجذب الأطفال، بينما يوجد أسلوب عرض معين يجب الاهتمام به هو الذي يحدد مدى انجذابهم للعرض كأسلوب التشويق، فكما تحتاج دراما الكبار إلى التشويق، فكذلك دراما الأطفال تحتاج أضعافها، فمن المفيد أن تتضمن دراما الأطفال مثلما ذكر الكاتب أحمد الحوتي «مجموعة من الأفكار البناءة غير المتعصبة، والتي من شأنها أن تساعد الصغار على فهم المجتمع، وفهم العالم فهماً صحيحاً، مما يساعدهم على إدراك مستويات رفيعة من القيم، أو التعرف عليها، أو يساعدهم على زيادة الإحساس بالواجب تجاه الآخرين، أو يرفع درجة العدالة، ولكي يكون ذلك مفيداً بحق يجب أن يقترن بشرطين أساسيين هما، عدم الدعاية من ناحية، ومن ناحية أخرى أن يكون العرض حافلاً بالتسلية، وبهذين الشرطين يتوارى الوعظ خلف التشويق، وبذلك نكون مقبلين على عمل درامي ليست مهمته مجرد التسلية، بل يكون أداؤه فعالا في مجال التربية، والثقافة»، مع الحرص على البعد عن المواضيع التي قد تثير استجابات وأحاسيس الأطفال بشكل زائد مثل العدوان الذي قد يثير العصبية والكراهية، حتى لا يؤثر على نفسياتهم تأثيراً سلبياً». وأشارت الأحمري إلى أن كثيرين يعتقدون أن العمر الذي يستوعب به الطفل الدراما هو العمر المدرسي أي من 7 سنوات إلى 15 سنة، وذلك صحيح جزئياً، لكنه ليس صحيحاً بالمطلق، لأن أغلب الدراما تركز على هذه الفئة العمرية، ومن هنا نشأ هذا الفهم، رغم أن المرحلة التي تسبق سن المدرسة تعد كذلك من أهم مراحل حياة الإنسان، وأكثرها تأثيرا في مستقبله؛ لأنها مرحلة تكوينية ترسخ فيها أساس الشخصية، ويكتسب الطفل فيها عاداته التفاعلية، إلا أنه لا يوجد حتى الآن الاهتمام اللازم بهذه المرحلة في عالم دراما الطفل». عجز عن التمييز يرى استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين الدكتور أحمد الألمعي أن «غالبية الأفلام والمسلسلات التي تعرض على معظم شاشاتنا العربية غير مناسبة للأطفال؛ فكثيرا ما يتم اختيار الشخصيات فيها من قبل المنتج والمخرج بهدف الإثارة وكسب مشاهدين، وليس لتكون تعليمية وتوجيهية، أو حتى تناسب الأطفال، والأطفال حتى سن 7 و8 سنوات ليس لديهم القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال، فيتأثر الطفل في كثير من الأحيان بشكل كبير بشخصيات الأبطال في الأفلام، والمسلسلات، ويلجأ إلى تقليد شخصية بطله المفضل ويطبقها في الحياة الواقعية، وكلما كان عمر الطفل أصغر كان تأثير الأفلام والمسلسلات عليه أكبر لعجزه عن التمييز بين الحقيقة والخيال، وهنا على الآباء والأمهات مراقبة ما يشاهده أطفالهم من أعمال درامية، وبوجود مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات التي تعرض المحتوى البصري مثل اليوتيوب أصبحت مسؤوليتهم أصعب». استهداف الربح يعتقد المخرج والمنتج الفني فيصل الحربي، أن سبب عدم وجود دراما للأطفال محلياً هو قناعة البعض أن أعمال الأطفال الدرامية غير مربحة، إضافة إلى أن الطفل الآن يطلع على أعمال عالمية مبهرة بصرياً، ومجارتها محليا قد يكون صعباً جداً، ومكلف إنتاجياً أن نصنع عملا مقاربا للأعمال العالمية، كما أن التقنية لدينا لصنع عمل للطفل ليست متوفرة، وليس لدينا خبرة كبيرة بها باستثناء بعض الدول الشقيقة المجاورة لنا. ويقول «إضافة لكل مما سبق، فإن المشكلة الأهم في الحقيقة هي مفهوم المنتج أو «الممول» لدينا، فلا بد أن يكون مؤمنا تماماً فنياً قبل إنتاجياً بما يجب أن يقدمه، وكيف، ومتى يقدمه، ويتحمل دائماً جزءاً من المخاطرة الإنتاجية في سبيل تقديم عمل جيد». وأشار الحربي إلى أن الصعوبات التي تعيق تقديم دراما للأطفال كثيرة منها التقنية، والتكلفة، والأهم الكتابة، لأنه من الممكن لأي شخص أن يكتب دراما للكبار، لكن ليس أي شخص يستطيع أن يكتب دراما للطفل، فالتعامل مع الطفل يجب أن يكون تعاملا حذرا جدا، إضافة إلى سيطرة الشخصيات العالمية على المشهد، وقلة وتوقف إنتاج أغلب الأعمال المحلية وحتى العربية المخصصة للطفل، فكيف تجد مكانا لك كشخصية كرتونية محلية وسط كل هذا الزخم، هذا تحد كبير، نجحنا فيه سابقاً محلياً وعربياً لكن توقفنا فجأة للأسف، وتركنا أطفالنا للمحتوى الأجنبي». تفاصيل متشعبة يشير الحربي إلى أن كثيرين يرون أن الأعمال الموجهة للطفل هي أعمال غير مربحة، ويقول «الحقيقة هي على عكس هذا الاعتقاد السائد، فهذه الأعمال مربحة جدا لكن تفاصيلها كثيرة ومتشعبة، وهي ثقافة سوق إنتاج يجب أن يغير وجهة نظره في أهمية الطفل على جميع المستويات. ووجود منصات مثل «نيتفليكس» يوفر سهولة الوصول والانتشار وتنوع المحتوى المقدم للطفل، بل حتى «نيتفليكس» بدأت للتوجه في إنتاج أعمال مخصصة للطفل كأعمال أصلية لها، لكن مشكلة الأعمال المنتجة في الخارج أنها أُنتجت لمجتمعات أخرى تختلف عن مجتمعاتنا العربية، وكل ما نستطيع تقديمه هو تعريب «دوبلاج» هذه الأعمال للعربية، وعرضها لدينا في قنواتنا، ولدينا دول عربية تميزت في هذا الموضوع لكن هذا لا يكفي من وجهة نظري. ويظن البعض أن الرسوم المتحركة تقدم الفكرة بطريقة أبسط، وتصل المعلومة للطفل بشكل أفضل من الدراما، ولكن سواء كان العمل الموجه للطفل عملا رسوميا، أو عملا يعتمد على الشخصيات الحقيقية والدمى كأشهر عملين لدينا في الخليج حكايات بابا فرحان، وافتح يا سمسم أياً كانت الطريقة تظل كيفية خروج هذه الأعمال للطفل من ناحية الإبهار البصري والكتابة ومعالجة المواضيع المطروحة». وأوضح أن اهتمامات الطفل سابقاً اختلفت عن الآن، فاستغنى عن الدراما بألعاب الفيديو «البلايستيشن»، ومقاطع اليوتيوب كما أن معظم شركات الإنتاج لا تعرف ما يجذب الطفل، وليست لديها القدرة على مجاراة اهتماماته في الوقت الحالي، ولا بد أن يعود الإنتاج الحكومي لصنع دراما الطفل بقوة كما كان في السابق، لكن بأسلوب العصر الحالي، ويأخذ على عاتقه الطفل وتربية وجدانه، وعلى سبيل المثال فأنا مخرج ومنتج فني أبحث منذ فترة عن ممول يتشجع معي لإنتاج فيلم محلي للأطفال، ولكن للأسف الطفل بعيد عن تفكيرنا، وهناك وجهة نظر عند بعض الأصدقاء من صناع الأفلام عندما كنا نناقش هذا الموضوع، حيث قال لي أحدهم «إنها مسؤولية كبيرة علينا، ويصعب علينا تحمل مسؤولية صنع فيلم سينمائي لطفل، وهذه وجهة نظر صادقة، وتحترم». حقائق الأعمال الأجنبية تسيطر على المضمون المعروض 80% من الأعمال المقدمة للطفل في التلفزيونات العربية رسوم متحركة 46% من الإنتاج الموجه للطفل أمريكي 36% من الإنتاج أوروبي 18% من الإنتاج عربي 18% أشهر الأعمال الدرامية الموجهة للطفل افتح يا سمسم حكايات بابا فرحان أعمال كرتونية للأطفال عدنان ولينا الكابتن ماجد صاحب الظل الطويل المحقق كونان سالي السندباد ماوكلي فتى الأدغال جزيرة الكنز