سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ورشة «السيناريو» تمنع الكاتب من الانجراف.. وترتقي بالفكرة.. وتحافظ على إيقاع المسلسل وهويته بعد أن تبنتها شركات الإنتاج المحلية.. كتاب الدراما والمسرحيون السعوديون:
رغم أن الدراما التلفزيونية قد تحولت في الفترة الأخيرة إلى مجرد (بزنس) حيث لا رسالة ولا هدف منها سوى جني الأرباح، إلا أن هناك بوادر تحسن مصدرها الفنانون الذين يدركون قيمة الفن ويؤمنون برسالته السامية ومدى فاعليته في توجيه المتلقي، لذلك يحرصون على إطلاق المبادرات التي تحسّن من مستوى الإنتاج وترفعه إلى مستوى أعلى من الجودة والإتقان، ويتجلى ذلك في ورش (النصوص) -أو ورش السيناريو- التي تقيمها بعض شركات الإنتاج المحلية من أجل صناعة كاتب متميز، مؤهل، يخرج بالدراما من وهدة الترهل الذي أصابها.. ولكن ترى هل هذه الورش قادرة على تحقيق الهدف؟. للإجابة على هذا السؤال وغيره من الأسئلة، التقينا عدداً من المختصين من كتاب ومسرحيين، واستطلعنا آراءهم حول:- آلية العمل المتبعة لدى بعض شركات الإنتاج لعقد ورش (النصوص)، ومدى فاعلية التوجه في إيجاد أسماء متخصصة للكتابة الدرامية، وتأثير هذه الورش على جودة النص، وبالطبع لم ننس نصائحهم لكتاب الدراما الشباب: في البدء يتحدث الكاتب الدرامي عبدالرحمن الوابلي ويقول: نشأت فكرة آلية ورش (النص) الدرامية كبديل للكاتب الدرامي عندما بدأت شركات الإنتاج الدرامية الكبرى في الولاياتالمتحدة، في دخول مجال إنتاج المسلسلات التلفزيونية الماراثونية النفس، والتي يتم عرضها بصورة شبه يومية ولمدة عشر سنوات وأكثر، ونتيجة لعدم قدرة الكاتب الواحد على القيام بمثل هذا المجهود المنظم المتواصل طويل النفس بمفرده، استعانت تلك الشركات بما عرف بورش (النص) الدرامية، لضمان استمرارية العمل الدرامي على مدى سنوات طويلة، وعدم انقطاعه أو إرباك تدفقه. يضيف ويقول: هذه الآلية لم تأت نتيجة عجز الكاتب الدرامي، انما أتت نتيجة تطور ونضج صناعة الدراما التلفزيونية طويلة النفس ومرتفعة التكاليف. ومعظم ورش (النص) الدرامية تتكون من عشرات الكتاب الدراميين، يصل بعضها لأكثر من ستين كاتباً وكاتبة. مع أن بعض الأفلام السينمائية كذلك يتم كتابتها عن طريق ورش نص، وخاصة في إمريكا الجنوبية. يواصل ويقول: أما نحن في السعودية فقد أقحمنا آلية ورش كتابة النص الدرامية، ونحن لم نزل في بداية الطريق، وليس كطور من أطوار التطور والنضوج والانتقال لمرحلة أعلى مما نقدمه، ولذلك لم تؤد ورش النص لدينا عملها كما يجب، خصوصاً وأن المنتج ليس لديه الوقت الكافي أو الاستعداد للصرف المادي عليها، فورش النص الحقيقية التي تضم كتاباً لهم وزنهم في مجال الكتابة الدرامية، تأخذ وقتاً أطول مما يتحمله المنتج، وقد تكلفه مادياً أكثر مما رصده في ميزانيته، ولو كان منتجه الدرامي يحقق له أرباحاً طائلة. وذلك لاعتقاده بأن النص لا يستحق أكثر من 1% من تكلفة العمل، فيما تحدد وزارة الإعلام 15% من مبلغ العمل الذي تصرفه للشركة المنتجة للكاتب في مجال الدراما الإذاعية. ولذلك أصبحت ورش العمل لدينا مرهقة للمشاركين بها، وغير مجدية بالنسبة للمنتجين، مما يصعب الحكم على تجربة ولدت قبل آوانها، ولم يكن لدى شركات الإنتاج الاستعداد لتحمل تبعاتها ( الوقت والمادة ). صالح العلياني وقد عملت في ورش النص لأكثر من ثلاث سنوات وأنا غير راض عنها من الناحية المادية والأدبية، وذلك للقصور الناتج عن عدم قدرة القائمين على إدارتها في المستوى والطريقة الاحترافية المطلوبة والمجدية لجميع الأطراف. وهذا لا يعني أنها فاشلة، ولكنها غير مجدية؛ ولو تمت إدارتها بطريقة وبأسلوب أفضل لأثمرت نجاجاً باهراً، خاصة وأن الورش التي عملت بها حققت صدى وقبولاً لا بأس به، وتستحق المتابعة والتطوير؛ ولكن بتحديث وتجديد آليات إدارتها. ويختم الوابلي كلامه قائلاً: الورش الدرامية لا تلغي أبداً دور الكاتب الدرامي، فكثير من الأعمال لا تتحمل ورشاً درامية، فمكانة الكاتب الدرامي ستظل موجودة ومحفوظة في ظل وجود ورش النص، فالكاتب الدرامي الروائي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز، والحائز على جائزة نوبل في الأدب، يدير ورشة نص درامية، وانطلاقاً من ذلك يستطيع مجموعة من الشباب تنظيم ورشة نص، يديرونها بطريقتهم الخاصة، وعرض نتاجها على شركات الإنتاج الدرامية، وكم أتمنى قيام جمعيات الثقافة والفنون لدينا بعقد دورات مكثفة ومتتالية للكتابة الدرامية، ولو برسوم مالية. ويقول الممثل والمخرج المسرحي صالح العلياني: بالنسبة للسعودية والوطن العربي بشكل عام، لا يوجد ما يسمى بورشة كتابة نصوص بالمفهوم الحقيقي لها، والسائد هو قيام عدد من الكتاب بالكتابة لعمل معين، كل منهم على حدة، وفي اعتقادي أن الورشة الحقيقية بدأت مع بداية فكرة (مسلسل 37 درجة) بعد اجتماع نخبة من الشباب، الذين بدؤوا في كتابة المسلسل في ورشة حقيقة نجمت عنها أفكار ونقاشات وتعديلات. أما من ناحية إفادتها للوسط الدرامي فلا شك في ذلك إذا ما كانت بشروطها الصحيحة، فهي مفيدة لصقل الكاتب حتى وان كان متمرساً فالعصف الذهني للأفكار الذي يدور في مثل هذه الورش يفتح أبوابا جديدة للكاتب قد يكون غافلاً عنها فعندما تتعدد العقول تتعدد الأفكار وتتخذ الكتابة مناحي أكثر تفردا وإبداعا ويقدم للجمهور ما هو أفضل. وبالنسبة للشباب الموهوبين فالكتابة والقراءة وتكرارهما مفيد جداً سواء داخل الورش أو خارجها. عبدالرحمن الوابلي ومن جانبه يقول الكاتب علاء حمزة: بدءاً أسجل شكري لجريدتنا الغراء الرياض على طرح هذا الموضوع الهام جداً في المجال الدرامي. وأقول من حيث المبدأ، الكتابة الإبداعية –بشكل عام- هي عملية شديدة الفردية وشديدة الخصوصية، وهي بالنسبة لكثير من المبدعين كالعورة التي لا يمكن للآخرين الإطلاع عليها، لذلك نادراً ما نسمع عن (قصيدة) كتبها اثنان أو رواية أو قصة قصيرة، وإن حدث فإن كل منهما يكتب جزءه الخاص، ثم يكتب الآخر ما يخصه! بعكس الكتابات العملية –مثلاً- المرافعة القضائية في العادة يكتبها أكثر من محامي لأنها تعتمد على العقل، فيما الإبداع يعتمد على (الجنون)!، وكلما اقتربت الدراما من (المرافعة) كلما اقتربت من مساحة العقل الجاف!. ولكن هذا لا يعني أن الكتابة الجماعية لا تجدي في التلفزيون أحياناً، لأن للتلفزيون شروط أخرى غير الإبداع، في (هوليوود) كل الأعمال ذات الصبغة الإبداعية العالية هي من كتابة مؤلف واحد، لكن هناك مراحل أخرى للكتابة الثانية يشترك فيها أكثر من كاتب، فهناك ما يسمى (بالمسودة) (والكتابة الأولى) و (كتابة التصوير) و(الكتابة بعد التنفيذ) وكل هذه النماذج يجدها المهتم في المواقع المخصصة للسيناريو على شبكة الإنترنت. وهناك شروط لهذه الورش (أتكلم عن الورش المثالية) حتى تقدم عملاً درامياً ناجحاً، ومن أهمها أن يكون هناك كاتب (مؤلف) واحد، ثم تضم الورشة متخصصين (لا مؤلفين) في مجالات السيناريو، ومتدربين، فيكون هناك اختصاصي في (التشويق) وآخر في (بناء الشخصيات) وثالث يكون مثلاً (طبيباً) إذا كان في العمل جانب طبي دقيق، ومتخصص في اللهجة (إذا كان في العمل لهجة جهوية معينة) وفي الورشة شاب صغير في السن أو طفل (إذا كان العمل موجهاً إلى هذه الشريحة لأنه أكثر قدرة من المؤلف على فهم هذه الفئة وحواراتها وطريقة حديثها وإحساسها بالزمان والمكان الذي تتواجد فيه)، لكن تجميع مجموعة من المؤلفين في عمل واحد هي كالعملية الحسابية. (واحد في واحد في واحد) وكل هذا يساوي واحداً! وواحد غير صحيح!. يضيف علاء الدين حمزة ويقول: مسألة إسهام هذا التوجه وصبّه في مصلحة إيجاد أسماء متخصصة في الكتابة الدرامية، من عدمه فهذا الأمر يعتمد على وعي المنتج!. المنتج الجاد والحقيقي، والشركات التي تعمل في مجال الدراما من أجل المستقبل بصدق ومهنية، (وليست شركات المضاربة) ستقدم أسماء مهمة مستقبلاً، من خلال فهم المجال الذي تعمل فيه ومن خلال الآلية التي ذكرتها سابقاً، ومن خلال التضحية بالمال والوقت، أما إن كانت تفعل ذلك لمجرد أن يقال إن لديها (ورشة عمل!)، أو بغرض عدم تجيير العمل لكاتب معين، فستجني على نفسها أولاً، لأنها لن تحظى بأفضل النصوص إلا بأفضل الطرق وأسلمها. والشركات الكبرى في العالم تعتبر مؤلفيها هم هدافوها وثروتها الحقيقية، فالمؤلف الحقيقي الواحد يستطيع تقديم مئة نجم للساحة ومائة مخرج مبدع ، بينما لا يستطيع ألف نجم ومخرج تقديم مؤلف حقيقي واحد. يواصل ويضيف: أما مدى تأثير هذه الورش على جودة النص المقدم للجمهور، فالجمهور هو (عبقري) الدراما الوحيد، الذي يكتشف الحقيقي من الزائف منذ أول ثلاث دقائق في أي عمل. وفي ظل الخيارات الكثيرة المتاحة له اليوم لا يرضى بأقل من الممتاز، ولا يقبل قضاء وقته في ما (يضيق صدره!)، إذ لا يهمه كاتب العمل، وما إذا كان كاتباً واحداً أم (قبيلة كتاب). ما يهمه هو رؤية عمل حقيقي، مبدع، متميز، يستحق أن يفني فيه لحظات هامة من عمره، وشركات الإنتاج الواعية تدرك ذلك. وتعمل على أساسه، ليس المهم كيف تعمل، ولكن المهم ما ينتج عن هذا العمل. مشهد من مسلسل ( 37 درجة) وعن أسباب قيام مثل هذه الورش يؤكد حمزة: الأسماء الموهوبة في الكتابة المبدعة، وعلى المستوى العالمي نادرة جداً، -ولا علاقة للورش بذلك- تماماً كالهداف أو اللاعب الفذ في عالم كرة القدم (كم ماجد بعد ماجد، وكم يوسف بعد يوسف!) ولعل القارئ الكريم يذكر الأزمة الكبيرة التي عانت منها هوليوود حين أضرب كتاب السيناريو فيها عن العمل، هناك الآلاف من خريجي المعاهد والجامعات المتخصصة في الدراما كل عام في العالم، وفي الغالب لا ينجح منهم أحد في الكتابة الدرامية ويتجه إلى عمل آخر، بينما كل عامين أو ثلاثة يخرج كاتب موهوب واحد. والكاتب الدرامي الحقيقي هو نتاج عشرة أعوام على الأقل من القراءة والمثابرة والتجربة والفشل، إنه خلاصة مئات الكتب، التي قرأها ولازال يقرؤها، والأفلام الهامة التي شاهدها، وآلاف الأفكار التي اختزنها، وملايين الملاحظات الدقيقة التي التقطتها كاميرته الخاصة من الحياة التي يعيشها بوعي، وكل الناس الذين قابلهم وراقب سلوكهم بعين خاصة. وكل الأماكن التي زارها. أعرف أشخاصاً يحاولون منذ عشرات السنوات كتابة نص واحد ولم يتح لهم ذلك. وهم مازالوا يشدون شعورهم - حتى أصيبوا بالصلع - قائلين في ذواتهم: إنه عمل سهل.. كيف لم أستطع!. وبعضهم اتجه للنقد والتجريح في (الأعمال السهلة!) وبعضهم وفقه الله واتجه لأعمال أخرى!. وينهي حديثه بنصيحة للكتاب الشباب ويقول: أقول للكاتب الشاب قد تكون موهوباً. بإمكانك اليوم كتابة نص رائع وتحقيق نجاح كبير ولكنك لن تستطيع كتابة غيره، لأنك ستفرغ كل ما تملكه في هذا النص! وكل شيء آخر سيكون معاداً مكرراً إلا في حالة واحدة هي إن كانت مدخلاتك أكثر من مخرجاتك. إن مصيبتنا اليوم هي في من يكتبون أكثر مما يقرؤون، في من يعتقدون أنهم ملكوا زمام الحقيقة، وانتهوا من المعرفة. وبقي أن ينقذوا العالم بأقلامهم (سقراط كان يقول إن الناس يعتقدون أنه حكيم لأنه الوحيد في أثينا الذي يعرف جيداً أنه لا يعرف شيئاً!)، نصيحتي إن كان من حقي إسداء نصيحة هي: استخدم كل حواسك التي وهبكها الله سبحانه وتعالى (تقرأ، تشاهد، تقابل أشخاصاً آخرين، تغوص في أعماق ذاتك، تزور مكاناً لم تزره من قبل ولو كان خلف بيتك!) وبعد سنوات ستكون كاتباً مهماً ومفيداً! وستفرض شروطك على شركات الإنتاج وقد تصل إلى مرحلة يكتب فيها –بكل تواضع- على مقدمة العمل (الشركة المنتجة تقدم الكاتب مبدع ابن مجتهد في مسلسل "اتضح أني لا أعرف شيئا"). أما الكاتب طارق الفهد الذي يشارك حالياً على ورشة السيناريو في مشروع "كوميدو" فيقول: أعتقد أن هذا هو التوجه الصحيح الذي جاء متأخرا، ولكن المهم هو التصرف السليم الذي اتخذه، لقد أصبح أمرا واضحا لدى شركات الإنتاج والقنوات الفضائية أن الدراما العربية والخليجية تحديداً تعاني من مشاكل كبيرة في النص، سواء من ناحية البناء أو المعالجة الدرامية وما يتبعها من إيقاع وتسارع في الأحداث وحوارات ومحادثات داخلية، وهذا الوعي بالمعضلة قابلهُ وعي لدى المشاهد العربي الذي اطلع خلال السنوات القليلة الماضية على الأعمال التلفزيونية الأجنبية، وبالذات المسلسلات والبرامج الأمريكية سواء عبر القنوات الفضائية المتخصصة في عرض هذا النوع من المحتوى الأجنبي أو عن طريق الانترنت عبر مواقع التحميل والمشاركة مما رفع من مستوى معاييره الذوقية، وقبل كل ذلك يأتي حماس الشباب والمبدعين في المجال الفني والذين تتملكهم رغبة جارفة في تغيير وتطوير الدراما العربية بجميع أنواعها. والهدف هنا هو أن لا يكون الكاتب متفرداً بالنص لوحده. إن أسلوب الكاتب الواحد مهما علا شأنه في هذا المجال قد وضع كثيراً من الأعمال الخليجية في حالة من الترهل من حيث القصة والأحداث ودوامة التكرار في عقد المسلسل من دون حلها بطريقة منطقية أو مثيرة وممتعة على الأقل، لا أستغرب لو أن عددا من المسلسلات الخليجية لم يتطلب جهدا في كتابتها سوى مجرد تغيير أسماء الشخصيات من نصوص سابقة وتقديمها من جديد للقنوات الفضائية قد تكون مبالغة مني ولكن مشاهدة هذه المسلسلات تجعل طرح هذا الاعتقاد واردا بشكل كبير من قبل المشاهد العربي والخليجي. يواصل طارق ويقول: بحكم عدم وجود معاهد متخصصة في السيناريو والكتابة التلفزيونية والسينمائية في السعودية -فإن هذا التوجه سيساهم بشكل كبير في تقديم أسماء محترفة في هذا المضمار، حيث إن ورش الكتابة هي في الحقيقة عبارة عن مدرسة للسيناريو، وتعلم نوع من التدريبات العملية عن طريق كتابة النصوص ومعالجتها مع بقية الكتاب، وليس الأمر سراً حينما تدرك أننا نفتقد للتخصص في المجال الفني بشكل فظيع وبجميع عناصره في الكتابة والإخراج والإنتاج والتصوير وغير ذلك من الأمور الفنية والتقنية الأخرى، ولكن السر الذي قد لا يدركه الكثير أن النص مهما كان قويا وجذابا فإن العمل لن يصل دون العناصر الأخرى التي ذكرتها إلى نصف مستواه الحقيقي، وهذا الاعتقاد أراه بشكل واضح في المسلسلات الأمريكية على سبيل المثال التي وصلت لحد الإتقان من جميع النواحي، كل ذلك يعود إلى التخصص الدقيق في كل عنصر من عناصر العمل بدءا من المنتج المنفذ وحتى فني الصوت. نحن هنا في ورش الكتابة نسعى لتقديم كاتب متخصص وبذا يكون على البقية في المجال الفني تقديم متخصصين من جهتهم. وعن مدى تأثير هذه الورش على جودة النص يؤكد الفهد: يغفل المرء دائماً عن خفايا عيوبه ويبرع الآخرون دوما في إيجادها. ورشة النص والكتابة تمنع الكاتب الواحد من الانجراف في القصة والأحداث بشكل غير منطقي في كل حلقة يكتبها وتبعده عن مناطق الضعف والبرود في الإيقاع، حيث أن الورشة تساهم بارتقاء الفكرة وصقلها وتساعد في رفع مستوى السيناريو ليصل إلى مرحلة من التكامل في البناء والمعالجة الدرامية، كما أنها تحدد مسار المسلسل وهويته لكي لا يضيع المفهوم والهدف من الفكرة الأساسية للعمل، ومن خلال هذه الورشة يصل النص إلى مرحلة هي بالتأكيد أفضل من أسلوب الكاتب الواحد، هناك مسلسلات تعتمد على عدة كتاب وليس كاتبا واحدا في كتابة حلقاتها ولكنها في الحقيقة لا تسمى ورشة كتابة لأنها لا تعتمد على خطة في العمل أو خريطة للأحداث أو الشخصيات وتطورها، بل هي مجرد توزيع الحلقات وتقسيمها على عدد من الكتاب، وصحيح أنه يخفف من حدة التكرار في المسلسل وقصر النفس فيه بحكم اختلاف الكتاب ولكنه ليس كافيا، حيث إن الورشة تتطلب وجود العناصر السابقة التي ذكرتها بالإضافة لعناصر أخرى مثل كيفية إدارة هذه الورشة وطريقة المعالجة والتعديل على الحلقات دون أن تفقد جوهرها الأساسي في فكرة ومفهوم العمل. وحول ما إذا كان هذا التوجه سببه غياب الأسماء الموهوبة في هذا المجال يقول: قد أكون متطرفا في هذا الاعتقاد التالي: هناك أسماء موهوبة ومتمكنة في الساحة الفنية ولكن سيطرتها على النص واستئثارها به لوحدها تدفع بالكاتب للتعامل مع النص كواجب مدرسي يرغب في الانتهاء منه بعد كتابة الحلقة الخامسة من العمل، ولذلك نفاجأ نحن المشاهدون حينما يشدنا مسلسل خليجي في بدايته - وهو أمر نادر على فكرة- ونتحمس معه كثيرا ولكننا نبدأ في ملاحظة ترهل يعتري بقية حلقاته الثلاثين، وكل ذلك بسبب الاستعجال وحجم العمل المهول المتمثل في عدد كبير من الساعات التلفزيونية يستدعي الانتهاء منها خلال فترة محددة ليتحمل الكاتب لوحده كل هذا الضغط النفسي والعبء العملي، وهنا تأتي إحدى فوائد ورشة الكتابة التي تساعد في الحفاظ على إيقاع المسلسل وتخفيف الحمل الثقيل الذي يتقسم على عدد من الكتاب مع وجود رؤية وخطة واضحة للعمل. ويختم حديثه قائلاً: نصيحتي للكتاب الشباب هي الإيمان بموهبتهم وعدم الاستسلام للمحبطين سواء كانوا منتجين أو من العاملين في هذا المجال، ويجب على الكاتب السعي لتطوير نفسه بالاطلاع على الأعمال الأجنبية وعدم الاكتفاء بالمحلية لأنها تخلق أبعادا جديدة لديه، وأرى أن ضعف الاطلاع لدى بعض الكتاب الشباب أوقعهم في فخ التقليدية مما يحرمهم من التميز في صناعة نصوصهم، لذلك يجب عليهم السعي في تكوين ورش خاصة بهم حتى وإن كانوا يفتقدون الخبرة، فبالمداولة والتجربة تكتسب المهارة والخبرة، لأن شركات الإنتاج والقنوات الفضائية تبحث عن من يبهرها لا من يحتاج إلى تبنٍ ودعم لأن هذا الأمر ليس من تخصصها، ولكن الاستثناء هنا هو في ما أعلنته قناة MBC عن تأسيس شركة متخصصة في السيناريو حيث إن اهتمام الوليد الإبراهيم لهذا الجانب وإدراكه لقيمته الفنية قد فتح المجال للكتاب الشباب من السعوديين للانخراط فيها والعمل على تقديم صورة أفضل للدراما والكوميديا السعودية.