بعد حياة الكد والكدح وهموم العمل تأتي مرحلة التقاعد، مرحلة الطمأنينة والسكينة والتفكر والتدبر والنوم الكافي وهي الفرصة التي يتاح لك فيها القيام بالأعمال والواجبات والهوايات التي لم يكن لك القيام بها أثناء عملك. فبعد التقاعد ينصب تفكيرك بنفسك وكيف تستمع وتسعد نفسك وأن تكون نشطا متفاعلا قويا مهتما لما تحب وتتمنى، فصاحب الهمة العالية إذا بلغ هدفاً بحث عن هدف آخر مثله أو أعلى منه ليصل إليه، إن بلوغك سن التقاعد نعمة عظيمة هي بحد ذاتها تشعرك بتحقيق أهدافك وتقديم عطائك كاملا وأنك بصحة وعافية، ولا شك أنك سوف تفقد جزءا من المال والمميزات الوظيفية، ولكن سوف تكسب الراحة والوقت والخصوصية والحرية. فموظف اليوم متقاعد الغد، ومتقاعد اليوم موظف الأمس، هذه هي الحياة العملية، لو دامت لغيرك لما آلت إليك، فالدراسة ومراحلها والوظيفة ومهماتها ومناصبها والزواج والأولاد والسكن جميعها مراحل بناء والتقاعد هو الاستقرار والراحة والحياة الهنية السعيدة الهادئة التي تكسوها الحرية والأمان. فالتقاعد من العمل الرسمي هو في حقيقته انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر نضوجا وإدراكا وعطاء وتجديدا مع كسب الخبرات والنجاحات. فالتقاعد الذي يعده البعض نهاية الحياة، قد يكون عند البعض الآخر بداية حياة جديدة، وفرصة لاكتشاف الذات، والجلوس مع النفس وتقييم إمكاناتها، بعد سنوات طويلة من العمل ومعاركة الحياة، يتفرغ فيها الشخص إلى حياته الخاصة، وممارسة أوجه الحياة التي كانت زحمة العمل تعيقه عنها فتنكشف فيه مهارات جديدة يتفرغ لها لكسبها. فالتقاعد نقلة وتجربة وتغيير، وليس تعطيل قدرات، ولا نبذَ خبرات بل هو فُرصةٌ لإطلاق طاقات كامِنة ورغَبات دفينة كانت الوظيفة قد عطلتها أوطمرتها والمرءُ بعد هذا العمل الطويل مصدرا لا يتوقف من الخبرة وكنزًا لا يُعوض من التجارب، وأصبحَ المرءُ حرًّا في ميادين أرحب ومجالات أو سلع لا تقيدها الأنظمة البيروقراطية والجهل وقلة الكفاءات أحيانا. كذلك بعد التقاعد استمتع بهواياتك وحقق أمنياتك ورغباتك وكثف زياراتك وتلبية جميع الدعوات ومن حسن حظك وجود والديك في هذا العمر فأحسن إليهما وضاعف برك لهما بقربك منهما وإعطائهما الوقت الكافي لرضاهما ومتابعة أحوالهما ورد جميل شريكة الحياة الزوجة الغالية أم الأولاد ونعمة الحياة فقد ضحت كثيرا لك أثناء العمل، فوجب عليك تكريمها وتقديرها وإعطاؤها الوقت الكافي وتحقيق رغباتها هي وأولادكم وأحفادكم.