أعاد إصدار الكتاب الشهير في تاريخ الثقافة السعودية (خواطر مصرحة) لمحمد حسن عواد أخيرا بعد قرابة 90 عاما من نشره لأول مرة، وما رافق نشره من ضجة في المجتمع حينها وصلت إلى حد مطالبة أصوات بإعدام العواد، قضية إعادة بعض كتب رواد الثقافة السعودية للواجهة مجددا بعد المشروع الأول للتجربة الذي بدأته تهامة أواخر السبعينيات الميلادية. وعلى الرغم من المبادرات المهمة كتجربة تهامة، لبعض الأفراد أو المؤسسات الثقافية الأخرى لايجاد كتب الرواد التي طبعت منذ عدة عقود، والتي ساهمت بعض الظروف الاجتماعية والثقافية في خلو المكتبات العامة منها، إلا أن الكثير من المتابعين والمهتمين بحركة النشر في المملكة، يرون أن التقصير ما زال حاصلا خصوصا من قبل المؤسسات الرسمية.. فهل هناك أسباب رقابية تقف حائلا أمام توفر بعض تلك المؤلفات، أم أن الأمر يتعدى ذلك إلى شيوع ثقافة اللامبالاة بتلك الكنوز المعرفية؟. الكاتب المهتم بهذا الجانب حسين بافقيه يقول ل"الوطن": "هناك دواع كثيرة لإعادة كتب روّاد الأدب والثقافة في بلادنا، لعل من أهمها بناء الذاكرة الثقافية، وتحقيق معنى الاستمرار وإلغاء القطيعة بين الأجيال، والكشف عن مكابدة تلك الجمهرة منَ الرواد وهم يضعون الصّوَى والعلامات الأولى لإنشاء ثقافة مدنية حديثة. والقارئ حين يظهر على طَرف مما نشره أدباء هذه البلاد في العقود الأربعة الأولى من إنشائها - يعرف إلحاح لفيف منهم على التجديد في الفنون الأدبية والدعوة إلى حرية الفكر وتحقيق العدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد والفاسدين والنهوض بالمجتمع، وهذه قيم لا تسقط بالتقادم". من جهته يرى الروائي خالد اليوسف (صاحب اليد الطولى في رصد حركة النشر محليا) أن "هناك كتب كثيرة تستحق إعادة الطبع والنشر والتوزيع، وأمنيتي ألا تكون للنخبة والصفوة، لأننا نريدها أن تنتشر بين راغبي ومحبي الكتب النافدة والنادرة". لكن اليوسف يقر بوجود بعض العوائق الرقابية وليست الفنية في طباعة بعض الكتب في المؤسسات الحكومية حيث يقول "ربما تكون هناك عوائق رقابية وليست فنية، لأن الفني لا يعلي الكتاب إلى درجة الأهمية إلا بالقدم والريادة، أما الرقابية فلكل مرحلة تاريخ وظروف نشر وطبع، وأعتقد أن كثيراَ من الكتب تمت طباعتها خارج الوطن، ولكن واقعنا الحضاري المنفتح بضوابط الأنظمة السارية حاليا لن يقف عائقاَ لإعادة نشر الكتب الرائدة ثقافياَ". وعن الجهة المعنية بشكل مباشر يؤكد اليوسف" طبعاَ لن يستطيع القيام بهذا العمل إلا الجهات الرسمية المدعومة، وأقصد بذلك الأندية الأدبية ووكالة الوزارة للشؤون الثقافية، بل إن هذا واجبها ومن الأمور الطبيعية لعملها الثقافي". ويؤيد هذا الطرح الشاعر والأكاديمي أحمد التيهاني الذي يرى أنه بالنسبة للرقابة فإنها "ربّما تكون عائقا، لأن بعض هذه الكتب طُبعت دون فسح، لكن هذا النوع قليل جدا". لكن التيهاني لا يضع مسؤولية إعادة طباعة هذا التراث الفكري على المؤسسات الرسمية فقط بل يعتقد أن الأمر يخضع للحماس والمبادرة ، يقول "أظن أن للجهة التي تبادر الحق بعد استئذان المؤلف أو ورثته". وفي هذا الاتجاه يسرد حسين بافقيه أمثلة على مبادرات بعض الجهات الخاصة والأفراد قائلا "من المؤسف أن كثيرا من كتب الرواد غالتها عوادي الزمن، ونشراتها قديمة جدا، وهي جزء من تراثنا، ولكن الحمدلله أن إعادة نشر كتب الرواد أصبح ظاهرة منذ مدة، وأبرز إنجاز في هذا الباب ما حقَقته مكتبات تهامة حين أنشأت لهذا الغرض سلسلتها الرائعة والحمدلله أنْ وفَقني لإعادة الكتاب النَهضوي المهم (خواطر مصرحة) للأديب الرائد محمد حسن عواد، بعد مرور 88 سنة على طبعته الأولى سنة 1345ه، فالخواطر أحد معالم النهضة في ثقافتنا، وعسى أنْ نعرف مقدار ما حققته ثقافتنا إبان نشأتها الأولى، وأحسب أَن في ثقافة ذلك العهد كثيرا من القيَم الصالحة للبقاء". أما التيهاني فيذكر بعض المبادرات التي تمت تجاه بعض مؤلفات الرواد في منطقة عسير قائلا "أعادت دارة الملك عبدالعزيز مشكورة طباعة ونشر كتاب: "تاريخ عسير في الماضي والحاضر"، للشيخ هاشم النعمي رحمه الله، وفرع جمعية الثقافة والفنون بأبها أعاد طباعة ديوان "هيكل الحياة" للشاعر أحمد بيهان، وهو أول ديوان شعري لشاعر من عسير". ويقترح بعض الكتب الأخرى، يقول: أظننا بحاجة إلى إعادة طباعة ديوان "في متاهات الحياة" لأحمد علي سعد آل مانع عسيري، الذي صدر قبل 40 عاما، على الرغم من أن الشاعر قد أعاد طباعته لكنه لم يوزع بشكل جيد، ومثله كتاب "أبها في التاريخ والأدب" الذي صدر قبل 30 عاما، لعلي آل عمر عسيري، رحمه الله، لأنه بات مصدرا مهما من مصادر الشعر في عسير، وبعض الكتب التاريخية لعبدالله بن علي بن مسفر (رحمه الله).