كومار شخصية رمزية لكثير من الأجانب الذين جاؤوا إلى دول الخليج العربي في ستينات القرن الماضي، وعملوا في مختلف المهن والوظائف بعد ظهور النفط وانعكاس أثره الاقتصادي على المواطنين عبر العمل في منشآته أو في الوظائف الحكومية، أو من خلال مشروعات البنية التحتية والتنموية، وقد أدى ذلك إلى هجرة الأعمال الحرفية والمعيشية وذات الدخل المنخفض شيئا فشيئا، واستيراد العمالة الأجنبية للعمل في أغلب المهن التي كانت في أيدي الخليجيين، ونقل مهاراتها لهم وتحولهم إلى أرباب عمل بدلا من ممارسة العمل نفسه وانتقال كثير منهم إلى الوظائف الحكومية. وإزاء طفرة النفط في الخليج جاء وهو لا يحمل أي مؤهل دراسي ولا مهارة في أي مهنة، غير أنه كان لديه الحماس والثقة من إمكانياته في التعلم وقدرته على النجاح ورغبته في الاستمرار والصبر على المشاق، وتحمل الغربة وتجاوز العقبات التي سوف تواجهه والقبول بالدخل القليل، وأن يكون اسمه ووجوده وحركته وعمله تحت سيطرة الكفيل. تكيّف كومار مع كافة المهن وعمل بها واكتسب خبرة ومعرفة وزادت يوما بعد آخر، واضمحلت لدى الكفلاء وأرباب العمل نظرا لابتعادهم وكبر سنهم وانشغال أبنائهم عنهم بالتحصيل الدراسي، فنشأ نظام الكفالة الشهري «تشغيل العمل لصالح العامل وغاب الكفيل عن المؤسسة والمهنة، وتحول كومار من مكفول إلى رب العمل الحقيقي، وهو الذي يُعطي كفيله راتبا شهريا ويكون هو سيد العمل وصاحبه». سيطر كومار على أغلب المهن والأعمال في الخليج، وترك لأهلها الوظائف الحكومية التي تستنزف ميزانياتها ومواردها، وتفرّد هو بإدارة القطاع الخاص وجميع خدماته والتحكم فيه وسحب السيولة منه وتحويلها إلى بلده وتنميتها، ولم يلتفت أحد إلى الآثار السلبية والمستقبلية التي سوف يجنونها من تمكين كومار في قطاع الأعمال، وأهمها البطالة لحملة الشهادات والتخصصات وانعدام المهارة الفنية لدى المواطنين، وتحويل الأموال للخارج وتوجيه ثقافة المجتمع وتحويرها، وفي كل محاولة للإصلاح في الخطط التنموية تكون لديه القدرة على تجاوز برامج التوطين وفرض الرسوم وزيادة الإجراءات ونظام تعديل المهن، حتى صار لا يعبأ بها ولا يقلق من فرضها. انشغل المواطنون في دول مجلس التعاون الخليجي وبدعم حكومي في زيادة التحصيل الدراسي في المعاهد والجامعات الداخلية والخارجية، وصار من المعيب على المواطن بغض النظر عن مستواه وقدراته الأكاديمية ألا يكون خريجا جامعيا أو حاصلا على الدراسات العليا، وتم تقليل شأن الحرفيين والعاملين في القطاع الخاص ومهنه، وذلك نتيجة ضعف الرواتب وزيادة العمل في الإنتاج مقابل الترهل في عدد الوظائف الحكومية وزيادة الراتب الشهري، وقلة الإنتاج والأمان الوظيفي، وكثرة الإجازات الحكومية، وغياب الرقابة والإشراف وضعف التدريب. إن مدرسة كومار في توطين العمل والإنتاج في دول الخليج تستدعي من كل أصحاب القرار والمجتمع الخليجي التأمل فيها والنظر إلى جميع أبعادها والاستفادة منها في التوطين الحقيقي لا الشكلي لجميع مهن العمل الأساسية، وذلك بإعادة بناء الفرد أولا على أسس الإنتاج والقدرة على الأداء في العمل وحب الإبداع فيه، والتقليل من أهمية زيادة التحصيل الدراسي بمفهومه العام والشكلي لمن لديه القدرة أو عدمه، وحذف كل أمنيات المستقبل من المقررات الدراسية في أن يكون الطالب مهندسا أو طبيبا أو طيارا أو معلما أو ضابطا، واستبدالها بمهن واقع الحياة واحتياجاتها الأكثر وهي النجارة والتجارة والزراعة والحدادة والصناعة والخبازة والبناء، وتحويل الفصول الدراسية إلى معامل عَملية لتدريب وصقل مهارات الطلبة بناء على قدراتهم المهارية والعقلية، وأن الغالبية منهم يجب أن يستفيدوا من تجربة كومار في العمل والإنتاج في المهن الأساسية والحيوية ونتعلم منه المهارة التي تعلمها من جيل الآباء والأجداد قبل أن يرحل ويأخذ معه مفاتيح الأبواب التي أغلقها.