استعرض رئيس تحرير صحيفة «الوطن» الدكتور عثمان بن محمود الصيني، موروثات جازان الشعبية، وبيئتها الخصبة التي تتكئ على موروث أصيل، ووصفها بسلة موروث المملكة، التي تتميز بتنوع الموروثات الشعبية الفريدة، وذلك في محاضرته بعنوان «الموروث الشعبي حفظه وإعادة إنتاجه»، التي نظمتها لجنة التنمية الاجتماعية بأبوعريش بالتعاون مع النادي الأدبي بجازان، وأدارها مدير فرع الجمعية السعودية للمحافظة على التراث الدكتور فيصل الطميحي، وبحضور كثير من الأدباء والمثقفين والمهتمين. شعر القبائل أكد رئيس تحرير «الوطن» أن كثيرًا من الموروثات الشعبية في العصر الحديث ظلت مهملة دون تدوين، مستعرضًا عددًا من الأوائل في العصر الحديث الذين رصدوا الموروثات الشعبية، ومنهم محمد سعيد كمال الذي كان يحرص على الاستماع لشعر القبائل ومن ثم عمل على جمعها في 20 جزءا، إلى جانب إسهامات عبدالكريم الجهيمان وعلي السلوق، في رصد الموروثات الشعبية. جهود فردية بين الصيني أن تراثنا لم تقيض له جهات مختصة لحفظه، ما أدى لضياعه وعدم وصول سوى القليل منه إلينا، وأن ما وصل إلينا لم يكن إلا بجهود فردية، وأضاف أن ما يقدم لا يعكس الواقع أيضا بسبب الاختزال الخاطئ والقاصر للتراث. وجدان حقيقي استعرض الدكتور عثمان الصيني في محاضرته مجالات التعامل مع الموروث الشعبي، فالموروث هو الشعر بمجمله متمثلا في شعر البطولات وشعر الحب وقصص السمر، مؤكدًا أن الإنسان هو العنصر الأساس في الموروث الشعبي فهو الذي أنتج كل ذلك وعاش معه، فكل موروث يستمد قيمته من الإنسان، ومشددًا على أن الموروث هو الوجدان الحقيقي للشعوب. ظواهر لغوية استشهد الدكتور الصيني بظاهرتين لغويتين هما الخلط بين الحميرية واليمنية وظاهرة العنعنة بقلب الهمزة عينا كإحدى ظواهر الخلل المنهجي في دراسة اللغة عند العرب، مبينًا أن الفصحى هي مجموعة لغات فصيحة اُنتخبت منها لغة مشتركة كلغة فصحى. اختزال جزئي أشار الصيني إلى أن تدوين التراث لدينا اختزل في فنون شعبية جميلة ولكنها محدودة لا تمثل كامل الموروث التراثي والثقافي الحقيقي، بالإضافة إلى أنه ورغم محدوديتها إلا أن نقلها وتداولها أيضا في صورتها الحالية لا يجسد مفهوم التراث الحقيقي بسبب عدم عكسها لشخصية الإنسان الذي يقع خلف هذا الموروث وهو ما لم يتناوله أحد حتى الآن. تدوين واع أوضح الصيني أن التراث قديما حفظ واختزل لدى السابقين من خلال ما توفر لهم من أدوات في عصرهم، حيث اعتمدوا على الحفظ والمداولة الشفهية لهذا التراث بالإضافة إلى التدوين الذي كان غير قادر في حينه - هو الآخر- على حجم التراث الموجود، لافتا إلى أن "العصر الحاضر توفر فيه كل ما يعين على تدوين التراث وحفظه ولكننا بحاجة إلى جهود مخططة ومنظمة ومدونين على وعي كامل بمفهوم التراث ومدلولاته". أبجدية صوتية اقترح الصيني طريقتين لكتابة القصائد التراثية واللهجات وحفظها، تقوم الأولى على طريقة الأبجدية الصوتية التي ابتكرها المستشرقون والقائمة على كتابة الكلمة كما تنطق، والاستعانة في الطريقة الثانية بالثقافة المسموعة حديثا والتي أصبحت مرادفة للثقافة المكتوبة بل أصبحت تسبقها بكثرة من يستعملونها، داعيا لحفظ هذا التراث الصوتي من الناطقين له بنفس لهجتهم لأنه سبيل حفظها خصوصا في عصر التقنية الذي نعيشه. جهة مؤسسية دعا رئيس تحرير «الوطن»، في ختام محاضرته إلى أهمية العناية والحفاظ على الموروث الشعبي من قبل جهة مؤسسية رسمية بمساندة المتخصصين لا الموظفين ، ووفق إستراتيجية وخطة عمل تضمن الحفاظ على ذلك الموروث ولا تكتفي باختزاله بل تقدمه بكافة مدلولاته الشعبية. إشادة وثراء شهدت المحاضرة مداخلات متعددة بدأها الأديب عمر طاهر زيلع وتناولت أهمية الموروث وصونه وما تزخر به المملكة من تنوع وشمولية في هذا المجال، كما دعا مدير تعليم محافظة صبيا ضيف الله الحازمي إلى ضرورة النهوض بمشروع حفظ الموروث لخدمة الأجيال، في حين تساءل الأديب وليد كاملي عن أهمية بقاء الموروث والحاجة الملحة له ، كما تداخل عدد من المهتمين وطرحوا وجهات نظرهم حول الموروث ، متسائلين عن جوانب مختلفة في موضوع المحاضرة. شخصية ثقافية أشاد رئيس النادي الأدبي بجازان حسن الصلهبي بجهود الدكتور عثمان الصيني ومساهماته في معالجة الكثير من الهموم الثقافية والأدبية، لافتا إلى أن نادي جازان الأدبي يفخر باستضافة كثير من الرموز على مدار العام . ووصف مدير مكتب صحيفة المدينةبجازان الدكتورعلي خواجي ضيف الأمسية بالمتألق والمبدع، مضيفا: نحن نعرفه مبدعا في بلاط صاحبة الجلالة والسلطة الرابعة، ولكنه أكد لنا أنه شخصية ثقافية، ورمز من رموز الإبداع، عندما يتحدث مسترسلا ويذكر المعلومة المدعومة بالشواهد سواء من خلال نص شعري أو معلومة أو غيرها. فرصة لقاء أوضح مدير العلاقات العامة والإعلام بإمارة منطقة جازان عادل بن أحمد زائري ، أن الدكتور عثمان الصيني أثرى أفكار الأمسية بحديثه الممتع عن موضوع ذي أهمية بالغة لنا وهو موروثنا الشعبي الذي تتمتع به مناطق وطننا الغالي، مضيفا أن الضيف طرق جانبا مهما يتعلق بالفهم الخاطئ للجيل الحالي لبعض مفردات التراث التي تستلزم تكاتف الباحثين لتصحيح هذه المفاهيم والتعاون في سبيل حفظ تراثنا بطريقة صحيحة وإعادة إحيائه. كما أكد الزائري أن وجود الدكتور عثمان الصيني في منطقة جازان فرصة لإطلاعه على واقع ومقومات المنطقة والفرص السياحية والاستثمارية لدعمها إعلاميا من خلال صحيفة «الوطن» التي أسهمت في التعريف بكثير من المقومات التنموية والثقافية بالمنطقة.