يُعد الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي الذي توفاه الله عز وجل يوم الثلاثاء 30 /7 /2019 أول سعودي يحصل على شهادة الدكتوراه في الإعلام، وأحد الرموز الوطنية الذين كان لهم إسهام كبير في الحركة الثقافية والإعلامية، خاصة دوره البارز في تأسيس التلفزيون السعودي، عدد من الذين عاصروا بدايات التلفزيون يرون أنه كان أحد الداعمين الرئيسيين لتطور الشاشة السعودية. ففي كتاب «قصة التلفزيون السعودي.. شهادات الرواد» للكاتب محمد الماضي، يذكر الإعلامي سبأ باهبري أن الدكتور الشبيلي -رحمه الله- «كان من أوائل الوجوه التي ظهرت على شاشة التلفزيون السعودي في الرياض خصوصاً». وأشار الممثل سعد خضر إلى أنه وجد في الدكتور عبدالرحمن حماساً شديداً لإيجاد تلفزيون سعودي راق ودراما سعودية جيدة. لم يقتصر دوره -رحمه الله- على تحسين وتطوير العمل الإعلامي فحسب، بل قدم إسهامات عديدة في مجالات اجتماعية وثقافية مختلفة، منها توثيق بعض من المراحل التاريخية لبلادنا عن طريق تسجيل مقابلات مرئية وصوتية مع عدد من الشخصيات (التاريخ الشفوي)، وهو طريقة لجمع معلومات تاريخية عبر المقابلات الشخصية التي تتألف عمومًا من مجري المقابلة والضيف. واتضح جلياً اهتمام الدكتور -رحمه الله- بهذا الفن منذ عام 1976، عن طريق إعداد وتقديم برنامج (شريط الذكريات) على التلفزيون السعودي، والذي استضاف عددا من رواد وطننا الغالي. ومن ضمن هذه اللقاءات تسجيله مع الأمير مساعد بن عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله- وهو أخو الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه-، أول رئيس لديوان المظالم، وأول رئيس لديوان المراقبة العامة في عهد الملك سعود رحمه الله، وتولى منصب وزير الداخلية، ووزير المالية في عهد الملك فيصل -رحمه الله. كان اللقاء مكوناً من حلقتين مدتهما ثلاث ساعات، تطرق فيها الأمير مساعد إلى بعض المقتطفات من حياة أبيه الإمام عبدالرحمن، والعديد من المواضيع التاريخية. كما أجرى الشبيلي لقاءً نادراً جداً مع أحد رواد التاريخ الشفوي في المملكة هو علي الفهد السكران، حيث روى عدداً من مآثر الملك عبدالعزيز -رحمه الله، وبعض المشاهد التاريخية لوطننا بأسلوب سهل واضح ولا يخلو من الطرافة. بالإضافة إلى تسجيله مع الأمير عبدالله الفيصل، حيث تحدث عن قصص عاصرها -رحمه الله- مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- تدل على حكمته وقوة إيمانه وإنسانيته، وفضائل والده الملك فيصل، غفر الله له. وتضمن البرنامج استضافة العديد من الشخصيات الرائدة التي كان لها دور كبير في النهضة العلمية والثقافية لبلادنا، أمثال «حمد الجاسر وعبدالله بن خميس وطاهر زمخشري وأحمد قنديل وأحمد محمد باعشن». ويلاحظ على الشبيلي رحمه الله، إعداده الجيد للقاء، وكان في إدارته للقاء يتسم بالعفوية والبساطة، وإعطاء الضيف فرصة كاملة لرواية الأحداث واختصار الأسئلة المطروحة. وهذا ما يذكره عدد من المهتمين بالتاريخ الشفوي بأن على من يقوم بإجراء اللقاء مع الضيف، أن يكون بسيطاً وواضحاً في طرحه للأسئلة، بعيداً عن مقاطعته أثناء روايته للأحداث، وأن تكون الأسئلة مختصرة، حيث ذكرت المؤرخة الأميركية ويلا باوم (WillaBaum) والتي تعد إحدى رواد التاريخ الشفهي، أن من خطوات عمل مقابلة ناجحة في التاريخ الشفوي، ألا تتم مقاطعة الضيف أثناء سرده للقصة أو الحدث إذا كانت المعلومات وثيقة الصلة بالموضوع الذي تتم المقابلة من أجله، وأن تكون الأسئلة التي تلقى على الضيف مختصرة وغير مملة. ولإيمانه بأهمية التاريخ الشفوي، فلقد دعته مكتبة الملك فهد الوطنية لزيارتها والمشاركة في برنامج التاريخ الشفهي للمملكة، والذي يعتبر أحد مشاريع المكتبة، الذي بدأت تنفيذه عام 1415، ويشتمل حالياً على أكثر من 400 حلقة بمعدل ثلاث ساعات تقريباً لكل تسجيل، وهو عبارة عن مقابلات صوتية ومرئية مع عدد من الأدباء والمثقفين ممن يمثلون الرعيل الأول في المملكة، فوافق -غفر الله له- دون تردد. وكان ذلك على عدة فترات: الفترة الأولى في يوم الأربعاء 17 /2 /1425 بمبنى المكتبة ومدة اللقاء ثلاث ساعات، حيث تحدث فيها عن طفولته وتعليمه بعنيزة، وعن كلية اللغة العربية بالرياض، والتحاقه بجامعة الملك سعود، وعمله بالإذاعة والتلفزيون، وذكريات بدايات البث التلفزيوني وما صاحبه من طرائف. الفترة الثانية كانت يوم الأربعاء 2 /3 /1425 بمبنى المكتبة ومدة اللقاء ساعة ونصف، حيث تحدث فيها عن الابتعاث للدراسات العليا وعلاقته بوزراء الإعلام جميل الحجيلان وإبراهيم العنقري ومحمد عبده يماني. أما التسجيل الثالث فكان يوم الأربعاء 9 /3 /1425 والرابع يوم السبت 12 /3 /1425، ومجموع التسجيلات تسع ساعات. حاز الدكتور الشبيلي جائزة الملك سلمان لخدمة التاريخ الشفوي، وتوثيقه، وبحوث الجزيرة العربية نظير ما قدمه للمجتمع وللوطن من إرث تاريخي، عبر تدوينه التاريخ الشفوي بلقاءاته التلفزيونية النادرة، التي تجسد حقبة مهمة في مسيرة هذا البلد المعطاء. رحم الله الدكتور عبدالرحمن الشبيلي وجمعنا وإياه في جنات النعيم.