تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي طروحات عن جمع المبالغ المالية لديات القتل، وبطرق نظامية عبر حسابات بنكية موثقة من الجهات الرسمية، وذلك لإعتاق الرقاب من حد القصاص الذي أمر الله به في القرآن الكريم تذكيراً وعبرة ولإحياء القلوب التي بالصدور. مع أن الشريعة السمحة أجازت العفو والتنازل لأهل الدم عن القاتل مقابل تقاضي الدية التي لطالما تفاوت تقدير قيمتها في القيمة وليس في الأصل، خلال عقود من الأزمان والدول منذُ أن فرضت. وقد يعلم البعض أن الأصل في فرض الدية هي قصة عبد المطلب جد الرسول المصطفى، حينما نذر إذا جاءه عشرة من الولد أن ينحر أحدهم، وكان آخر العشرة عبدالله، وهو والد النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل إلى الكعبة ونثر السهام على عدد أولاده فخرج سهم عبد الله، أي وقع عليه الاختيار، فأراد أن يقتله وأن يذبحه، فصاحت قريش ومنعوه من ذلك، وقيل: إنه هو نفسه أي عبدالمطلب كان يحب عبدالله حباً شديداً، وهذا من قصص التاريخ التي اختلفت، فقيل: إنه ذهب إلى عراف في المدينة واختصم إليه مع قريش، فقال العراف: أخرجوا في كل سهم عشرة من الإبل حتى يخرج السهم على الإبل، وكان الأصل في الدية في الجاهلية عشرة من الإبل، فلما أشار عليه بهذا الرأي أخرج القدح الأول، والعشرة من الإبل التي كانت دية ثابتة، ثم حاول المرة الثانية فخرج الولد عبدالله، فحاول المرة الثالثة والرابعة والخامسة، وكان كل مرة يخرج فيها السهم على عبدالله من بين أبنائه العشرة، حتى بلغ مائة من الإبل فخرج السهم على المائة من الإبل، فنحر المائة من الإبل وصارت سنة؛ لأنهم كانوا في الجاهلية ما يفعله العظماء يتخذونه سنة، فأصبحت الدية مائة من الإبل في حينه، فجاء الإسلام وهي مائة من الإبل فأقر ذلك. وقد جاء في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه لأهل اليمن، قد بين مقادير الديات، وقال: (دية المسلم مائة من الإبل). وها نحن اليوم نشاهد المناشدات بجمع الديات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو بالتنادي لإنقاذ أحد أفراد إحدى القبائل، الأمر الذي دعا بعض الجهال للتفاخر بجمع المال والظهور في مقاطع مرئية ببعض العبارات غير اللائقة، والتي من شأنها تصعيد القضية لا حلها. ناهيك عن أهل الدم الذين قد يدخلهم الطمع في المطالبة بالمزايدة في قيمة الدية. ألقت هذه التصرفات في نفوس المجتمع وأهل الخير التذمر مما يحدث من مزايدات في الدية وطرق جمعها، وإن كانت برعاية رسمية بحسابات مصرح لها من إمارات المناطق. مما تسبب ذلك في عزوف الكثير من المجتمع ورجال الأعمال عن المساهمة والمساعدة في عتق الرقاب. الأمر المهم الذي يجب التنبه له والحد من تصرفات سماسرة البيع في قضايا عتق الرقاب، هو يجب أن تكون هناك شفافية في عرض البنوك للمبالغ التي جمعت، وأن يكون ذلك بوضع أيقونة أو رابط يظهر المبلغ الذي تم الوصول له في جمع الدية في الحساب البنكي. وهذا الأمر سوف يكون له جانبان إيجابيان وهما: في حال انتشار المطالبات لجمع المبالغ فإن البعض قد يتكل على غيره بدعوى أن هناك من هو أقدر مني ويستطيع إنهاء هذا الأمر، ويكون التراخي في ذلك أقرب له من المبادرة، أو أن يكون من جانب آخر دخول الشك في قلبه من سماسرة بيع عتق الرقاب، وأن فائض المبالغ يوزع على من هم قائمين على ذلك. فإذا تم عرض المبالغ للجميع تنافس أفراد المجتمع وكانت الدافعية لديهم قوية وتنافسوا بين بعضهم البعض في عتق رقبة مسلم، ومعرفة ما وصل إليه المبلغ والمساهمة في إكماله والتوقف عن ذلك في حال اكتمال جمع الدية.