فيما أكدت تقارير أن سياسة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، اعتمدت على وحدة الصف العربي، والانحياز للقضايا العربية والإسلامية، وتطورت بعد ذلك لتقود العمل العربي المشترك، قال مراقبون إن المملكة شهدت نقلة نوعية في سياستها الخارجية بصفة عامة والعربية والإسلامية بوجه خاص، منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مقاليد الحكم، ثم بتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، مشيرين إلى أن هذه النقلة جاءت نتيجة المتغيرات الدولية وزيادة التدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة، إضافة إلى ظهور التنظيمات الإرهابية، مما تطلب سرعة المبادرة والحسم في اتخاذ القرارات لمواجهة المخاطر التي تحيق بالأمة. الطريق الأصعب وقال المراقبون إنه بعد انقلاب الميليشيات الحوثية الموالية لإيران على الحكومة الشرعية في اليمن، اختارت القيادة السعودية الطريق الأصعب لمواجهة المخاطر، من خلال إستراتيجية جديدة في إدارة الأزمات تعني «المبادأة» أوالردع العسكري للحفاظ على الأمن القومي العربي، عبر تشكيل التحالفات العسكرية، إلى جانب الاستفادة من القنوات الدبلوماسية، إضافة إلى تصدر الجهود العالمية في محاربة الإرهاب والتطرف. وذكر المراقبون أن الإستراتيجية السعودية الجديدة جاءت مع الحفاظ على ثوابت راسخة على مر العقود الماضية تنطلق من الدائرة الخليجية ثم الإقليمية العربية والإسلامية ثم الدولية، وتتمسك بسياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وفي نفس الوقت عدم السماح لأي دولة بالتدخل في شؤونها، معتمدة في ذلك على مكانتها الإقليمية وعلاقاتها الوطيدة بدول العالم، فضلا عن دورها في دعم الأمن والاستقرار الدولي. محطات تاريخية تطرق المراقبون إلى تجارب السعودية في قيادة العمل العربي المشترك، أثناء الأزمات الكبيرة التي واجهت بعض الدول الشقيقة، وصولا إلى تجربة الانقلاب الحوثي في اليمن، ومحاولات إيران مد نفوذها في عدد من الدول العربية، والتي برزت خلالها تحولات السياسة الخارجية السعودية، وتبني عقيدة «المبادأة» لردع أي دولة تفكر في المساس بالأمن القومي العربي، وذلك على النحو التالي: القضية الفلسطينية - بدأ موقف المملكة من قضية فلسطين منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود، حيث بدأت من مؤتمر لندن عام 1935م المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية، كما قامت المملكة بعد نكبة 1948 بدعم ومساندة القضية الفلسطينية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي عام 2002 أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز عن مبادرة لحل النزاع العربي الفلسطيني تستهدف إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة. - أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته في القمة الخليجية ال 39، أن القضية الفلسطينية تحتل مكان الصدارة في اهتمامات المملكة، وتسعى لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وتناشد المملكة المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته باتخاذ التدابير اللازمة لحماية الشعب الفلسطيني من الممارسات العدوانية «الإسرائيلية» التي تعد استفزازاً لمشاعر العرب والمسلمين وللشعوب المحبة للسلام. حرب أكتوبر 1973 كان الانتصار المصري في حرب أكتوبر ملحمة عربية خالصة شارك فيها العرب بشكل عام والسعودية بشكل خاص، وكان الدعم السعودي لمصر متكاملًا، وكان على رأسه قرار الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي أمر بقطع البترول العربي عن الغرب، حيث كان القرار بمثابة ضربة قوية فتحت الطريق للنصر العظيم. حرب الخليج الأولى قدمت دول الخليج العربية بقيادة السعودية أشكالا مختلفة من التمويل المالي والدعم اللوجستي والتأييد السياسي للعراق في حربه ضد إيران على مدى سنوات حربه الثماني مع إيران، ما أدى إلى موافقة إيران على الهدنة التي اقترحتها الأممالمتحدة 20 أغسطس 1988، والدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية. اتفاق الطائف نجحت الوساطة السعودية في توقيع وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، بمدينة الطائف في 30 سبتمبر 1989 وتم إقرارها بقانون في أكتوبر 1989 لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة في لبنان، وإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وذلك بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على اندلاعها. حرب الخليج الثانية وقع الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990، وكانت بوادر الغزو واضحة من قبل النظام العراقي، وشهدت الحربُ العسكرية تحركًا دبلوماسيًا سعوديا قويًا قبل وبعد تحرير الكويت، وفتحت المملكة منافذها لاستقبال الكويتيين وتأمين حياتهم بالمساعدات والغذاء والسكن وكل التسهيلات في جميع مدن المملكة. مرحلة التحول - في مطلع عام 2014، اتجهت الميليشيات الحوثية الموالية لإيران للتصعيد العسكري بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني مباشرة، وكان هدفهم الاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية، عن طريق الحرب، وفي يوم 20 سبتمبر من نفس العام، بدأ الحوثيون بالاقتحام المسلح للعاصمة صنعاء وتمكنوا من إسقاطها، والسيطرة على كافة المؤسسات المدنية، والعسكرية بعد معارك محدودة في شمال العاصمة. - في 26 مارس 2015، أطلق تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية عملية «عاصفة الحزم» العسكرية في استجابة سريعة لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وتم تقديم المساندة الفورية بكل الوسائل بما في ذلك التدخل العسكري لحماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي وحلفائهم من الإيرانيين. - سياسياً: حققت «عاصفة الحزم» عددا من الإنجازات وتمكنت من تغيير المعادلة السياسية القائمة في المنطقة منذ فترة طويلة، والمتمثلة في غياب المشروع العربي القادر على مواجهة المشاريع الإقليمية في المنطقة العربية، وأثبتت بكل وضوح أن دول الخليج العربي بقيادة المملكة أصبحت تحمل مشروعاً عربياً قوامه رفض التمدد الطائفي والمذهبي في المنطقة، ورفض التوغل الأجنبي المثير لحالة التفكك والضعف العربي؛ انطلقت «عاصفة الحزم» لترفض المشاريع الإقليمية التفككية لحال العرب التي ترفعها بعض الدول الإقليمية، ولتعلن ولادة نظام إقليمي. - تلت عاصفة الحزم عملية «إعادة الأمل» التي بدأت في 14 يوليو 2015 ولا تزال مستمرة في دعم «المقاومة الشعبية» و«الجيش الوطني»؛ الأمر الذي تكلل بتحرير مناطق واسعة من قبضة الحوثيين، واستطاعت القوات الحكومية بمساندة التحالف أن تحرز مكاسب نوعية على الأرض، كلفت الميليشيات الحوثية خسائر كبيرة في المعدات والأرواح. التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب - أعلن الأمير محمد بن سلمان في 14 ديسمبر 2015، عن تأسيس تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب، بغرفة عمليات مقرها الرياض. ويضم التحالف 35 دولة إسلامية، إضافة إلى 10 دول أخرى، ويقدر عدد العسكريين التابعين للدول المتحالفة بنحو 4.3 ملايين جندي «نظامي» يشكلون نواة تأسيس التحالف. - أكد الأمير محمد بن سلمان أن الإعلان عن تشكيل هذا التحالف يأتي حرصا من العالم الإسلامي على محاربة الإرهاب، ولكي يكون جزءا في محاربة هذا الداء. - يعمل التحالف بقيادة المملكة على تطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم محاربة الإرهاب، ووضع الترتيبات المناسبة للتنسيق مع الدول والجهات الدولية في سبيل خدمة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين؛ كما تستضيف المملكة مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب وتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود. الحرب على الإرهاب على صعيد الحرب على الإرهاب، حققت المملكة إنجازات بارزة في حربها ضد الإرهاب داخليا وخارجيا، من أبرز نماذج هذا النجاح إحباط هجمات إرهابية، كان تنفيذ إحداها كفيلا بإحداث كارثة، ومن أبرزها إحباط هجوم انتحاري، في 4 يوليو 2016، كان يستهدف المسجد النبوي. - في 21 مايو 2017، دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بمشاركة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، وقادة ورؤساء وفود الدول المشاركة في القمة العربية الإسلامية الأميركية، في الرياض المركز العالمي «اعتدال» لمكافحة الفكر المتطرف، ويعد المركز أول تجمع دولي يواجه منابع التطرف الفكري ويرصد اللغات واللهجات الأكثر شيوعاً لدى المتطرفين، ويتتبع كافة مصادرهم المادية والبنكية وممتلكاتهم العينية، حتى وإن كانت من خلال مؤسسة مالية أجنبية بهدف تسهيل التحويلات إليهم، فهو يعتمد على نظام حوكمة دقيقة يتابعها خبراء ومختصون في مكافحة التطرف الفكري بشتى مجالاته. وعليه فإن أي قرار أو بيان يصدر من المركز تكون فيه العقوبات مشتركة بإجماع كافة الأطراف المعنية. قدرات فائقة للمملكة حسب المراقبين، فإن إستراتيجية المملكة الجديدة جاءت في ظل الإمكانات السياسية والعسكرية والاقتصادية الكبيرة التي تملكها المملكة، إذ تحتل المرتبة التاسعة عشرة من بين أكبر اقتصادات العالم؛ باعتبارها دولة من أغنى دول الشرق الأوسط، وأقواها على الإطلاق، وقادرة على أرجحة العالم - سياسياً واقتصادياً -، وذلك من خلال تحقيق ثورة في التوازن الجيوسياسي، أو في إعادة تنظيم الاقتصاد العالمي، أو العمل على تغيير مسار الاقتصاد الدولي، بل وقدرتها على قلب ميزانيات عشرات الدول، إضافة إلى أنها القوة الأيديولوجية الرائدة في العالم الإسلامي، وزعيمة بلا منازع للعالم الإسلامي السني. وتسهم المملكة بسياستها المتوازنة ودورها القيادي العالمي ليس في مجال النفط والاقتصاد الدولي فقط، بل في الاستقرار والسلم في الإقليم أيضا، هي باب الأمان للعرب والمسلمين ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط بل في جميع أنحاء العالم. وعززت السعودية علاقاتها العميقة مع واشنطن، كما تمكنت من نقل علاقاتها مع موسكو إلى مرحلة جديدة، وفي نفس الوقت دعم علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، فضلا عن علاقاتها بالدول الآسيوية ومن بينها الصين واليابان والهند وإندونيسيا. وعلى المستوى العسكري احتلت السعودية المرتبة التاسعة في تصنيف الدول الأكثر قوة عسكريا، والذي يعد أحد المكونات الرئيسة لمؤشر أفضل دول العالم لعام 2018 الصادر عن موقع usnews الأميركي، حيث برزت القدرات الجوية والدفاعية خلال عملية «عاصفة الحزم» وخلال المشاركة الفعالة لسلاح الجو السعودي في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في سورية والعراق. *أمثلة على الإستراتيجية الجديدة -قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن وإطلاق عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل -تأسيس وقيادة التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب -إقامة علاقات وثيقة ومتوازنة مع قطبي العالم روسيا والولايات المتحدة -قطع العلاقات مع إيران وقطر -إنشاء مجالس تنسيق مع عدد من الدول العربية والعالمية -تطوير وتعزيز العلاقة مع الصين وإقامة شراكة في مشروع طريق الحرير -استضافة عدد من القمم العربية والخليجية والإسلامية بمشاركة أميركية وأوروبية.