يحاكي الشاعر اللبناني بلال المصري في ديوانه الجديد "تصاعد الياسمين كالرصاص" الصادر عن دار الغاوون، الياسمين الذابل وأحواله، يرتحل صوب الفانتازيا غالبا ليكبح قسوة واقع لا طريق للوصول إليه. في كتابه نهم للحزن ولخيبات كثيرة اجتمعت في لحظة لائقة يحتفي بها الشاعر وحيدا "ورويدا بالعتمة"...و"أنت وحدك في وحدتك".. الغياب والموت في حالة ذهاب وإياب في نصوصه، واحتمالات اللقاء والحنين يدوران في ردهات الذاكرة ويوميات الطفولة العاجزة في كل الأوقات. ماضوي الشاعر في سياق حنيني "تتداعى القناطر نحو سيرتها الأولى/ تمشي الأعتاب إلى الأعتاب/ نحنُ رشقنا المرايا بالصورة فانكشفنا..." عبثيّة ومبعثرة صور الشاعر، كالمنفيّ يتنقّل بين نصوصه، يتأبّط حكاية ذاتية، ويواظب على الدوران حولها مستدعيا كل عناصر القصيدة وناسها في حياة قصيرة عابرة لا مفرّ منها، "قطعة السكّر تذوب/ هكذا الغروب حلوٌ/ فيّ تتمسكين/ كأن ضريرا يقود ضريرا/ فأنسى وتتذكّرين أنك نسيتي..." سطوةُ الإخفاق حميميّة، في قصائد ديوان هو الثاني له بعد "عتم المرايا"، ورواية "الجدران تتعرّى لظلي" ، يستهلك الشاعر كلّ تفاؤله فيصير الانتحار ملاذا، والقتلُ متنفّسا عميقا لجثث تحتاج إلى هذا الاعتداء، العنفُ سمةُ النصوص وقلقها إلى حدّ الانتقام، "ميتٌ أم قتيلٌ/ لا فرقَ/ لكنني قتلتك/ ألا تذكر أيها الغبي... متشائم يقبع خلف الضوء والصراخ العالي، يستلقي متعمّدا الانزلاق إلى الهاوية إلى حيث يمكنه أن يرقد مع شياطين الشعر و"يتزوج بعوضة"... "أنحني فوق العتمة مثل ماسح الأحذية / فرّ من الجنة لأن أباه آدم/ ولمّا عضّت الذئاب/ أطراف الليل/ صاح الليل...) . لا معنى لأي سؤال هنا .. تتدفّق أنماط التوتر أكثر وأكثر، والشاعر كمن يقبضُ على جمر الفوضى التي تقتحم رأسه وغرفة نومه وأصدقاءه الوهميين، إلى أين؟/ إلى كلّ الجهات/ لهذا فقط تريد الوصول..." يُهادن ثم ينحني ثم يبكي أمام امرأة هي الأجمل في الكون، يسكن الغربة منذ الرحيل إلى عودة غير نهائية "الذي يغادر المنحدر/ وساعي البريد الذي لا يزورنا/ وحيدا بلا ساقيك اللتين/ مشى بهما جيش النمل".