موضوعان أودّ التعليق عليهما بما قد يكون مخالفاً لوجهات نظر وتحليلات جاء بها آخرون لما يحدث حالياً : الأول . يتعلق بالحرب في أوكرانيا . الثاني . يتعلق باتفاق ترسيم الحدود البحرية لحقول الغاز بين لبنان وإسرائيل . بالتطرق إلى الحرب في أوكرانيا وما يشنه الجانبان الروسي والأوكراني من عمليات عسكرية تشمل الهجوم والدفاع تتصاعد مستوياتها ووتيرتها يوماً بعد يوم . لن أتطرق إلى العمليات اليومية في أوكرانيا لكني سأركز على نقاط أرى أن لها أهمية كبيرة في مجال إعادة التنظيم بقيادة العمليات من الجانب الروسي هي : 1. التغييرات الهامة التي أجريت في قيادة العمليات الروسية منها تغيير القيادة اللوجستية السابقة التي لم تتفاعل بشكل مناسب مع مجريات العمليات التعرضية التي تقوم بها القوات الروسية في أوكرانيا حيث لم تكن على المستوى المطلوب من أجل مواكبة تقدم القوات الروسية حيث كان التأخر في إيصال المواد اللوجستية إلى الأمكنة المناسبة كما في التوقيتات المناسبة ثم حشدها بصورة لا تتناسب مع حصول قوات أوكرانيا على أسلحة دقيقة من تلك الصواريخ والمدفعية الأمريكية مدعومة باستطلاع جيد سواء من الأقمار الإصطناعية ومن الطائرات المسيّرة الغربية مما أدى إلى إلحاق إصابات عديدة ودقيقة بالقوات الروسية لاسيما في مناطق الحشد اللوجستي وفي أرتاله ، لذلك فإن تغيير القيادة اللوجستية بقيادة أكثر قدرة وفعالية كان له تأثير إيجابي على مسار العمليات الروسية . 2. تغيير قيادة العمليات الميدانية بقيادة أكثر هجومية وأشد فعالية دفاعية عقب الإختراقات الأوكرانية التي حدثت سواء بمنطقة خاركيف أو بمنطقة خيرسون . 3. تغيير القيادة العامة للعمليات في الجانب الروسي حيث أوكلت القيادة إلى قائد محنك هو قائد القوات الجو فضائية الذي كان في السابق قائداً لقوات روسيا في سوريا وهذا يعني أن التغيير يهدف إلى العودة إلى ما كنت قد ذكرته في مقال سابق أن على روسيا أن تشن حملة جوية ضد أوكرانيا وليس فقط مساندة القوات الروسية البرية إذا أرادت ممارسة ضغط فعلي ضد القوات الأوكرانية وضد القيادة السياسية الأوكرانية ، وهو ما حدث حيث استغلت القيادة الروسية عملية تفجير ذلك الجسر الواصل بين الأراضي الروسية وبين شبه جزيرة القرم فبدأت حملة جوية وصاروخية ضد البنية التحتية في أوكرانيا سواء العسكرية منها أو تلك المدنية المساندة للعمليات من عقد المواصلات للسكك الحديدية التي تنقل القوات واللوجستك الأوكرانية وكذلك ضد محطات توليد الكهرباء لتأثيرها السلبي الفعالة على الشعب الأوكراني من جهة والتي في الوقت نفسه تعتبر الأساس لتسيير نظام السكك الحديدية التي تنقل الجنود والأسلحة والذخائر والتموينات من دول حلف الأطلسي إلى المناطق التي تجري فيها العمليات القتالية ، يضاف إلى ذلك القواعد الجوية ثم مراكز قيادتها وسيطرتها ومراكز اتخاذ القرار في أوكرانيا فنشاهد أن عمليات القصف الروسية لم تكن هنا عبارة عن عملية انتقامية لتفجير الجسر بل أعتقد أنها عملية مستمرة تهدف لإجهاد القوات الأوكرانية إلى حين اكتمال الحشد للقوات الروسية بعد إعلان التعبئة الجزئية الروسية ومن ثم شن هجمات واسعة وشديدة ضد قوات أوكرانيا سواء تلك التي قامت بعمليات إختراق ناجحة في الدفاعات الروسية أو قوات أوكرانيا التي لم تشتبك حتى الأن مع القوات الروسية وتسديد ضربة كبيرة لإجبار القوات الأوكرانية للإنسحاب من مناطق الإختراق التي وصلت إليها وقد تتوسع الهجمات الروسية لتصل إلى مناطق جديدة ذات أهمية كبيرة من حيث الوزن الإستراتيجي ووضع القيادتين الأوكرانيتين العليا بموقف حرج وخطير قد يؤدي إلى استسلام حجم كبير من القوات الأوكرانية مما يجبر تلك القيادتين إلى طلب وقف إطلاق النار تحت الضغط العسكري الروسي بما يعنيه ذلك من قبول لكل الشروط والمطالب الروسية في ظل عدم إمكانية تدخل غربي عملي ضد روسيا لتجنب الدخول في حرب من المؤكد أنها ستكون نووية في تلك الحالة . أمّا ما يخص موضوع إتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل فيلاحظ ما يلي : 1. إستعجال لبنان للوصول إلى هذا الإتفاق حيث أنه الأمل لخروجه من أزمة إقتصادية وبالتالي سياسية خطيرتين ناتجتين عن فساد كبير يعم الدولة اللبنانية بكل أركانها منذ سنين عديدة حيث تظن أن عقد ذلك الإتفاق قد يحل مشاكلها المتراكمة سياسياً وإقتصادياً . 2. أمريكا تستعجل الوصول لاتفاق ترسيم تلك الحدود البحرية لهدفين الأول هو الإسراع لزيادة إنتاج الغاز من حقول الغاز في إسرائيل ومن ثم تصديره إلى أوربا لتغطية نسبة ولو كانت صغيرة من احتياج أوروبا المتعطشة لموارد غاز بديلة عن الغاز الروسي والهدف الثاني أن الوصول للإتفاق يعني أن لبنان سيكون أكثر حرصاً على عدم حدوث إشتباكات بين حزب الله وإسرائيل خشية أن تؤدي إلى ضرب إسرائيل لمنصات إستخراج الغاز اللبنانية بعد إنشائها حيث سيكون للبنان ما يخشى عليه وبذلك تظن أمريكا أنها بذلك تخرج حزب الله من معادلة القوى المعادية لإسرائيل في حالة حدوث الإشتباك المتوقع بين إسرائيل وإيران حيث سيتحمل حزب الله أمام الشعب في لبنان أية ردة فعل من قبل إسرائيل في حالة تدخّل الحزب عسكرياً إلى جانب إيران أو سوريا . 3. إسرائيل في حالة عقد الإتفاق الخاص بترسيم الحدود البحرية ستكون قد حصلت على عدة أمور كلها لصالحها وهي : أ . ستستفيد مادياً من تصدير الغاز لأوروبا . ب . ستجعل حزب الله في وضع لا يحسد عليه فهو إن سكت عن أي إشتباك كبير بين إسرائيل وإيران أو سوريا فسيكون قد خان التزامه بأن يتدخل ضد إسرائيل عسكريا بهدف مساندة أيّ من حليفيه ، وإن شارك في أية مواجهة كبيرة بينهما وبين إسرائيل فسيجلب انتقام إسرائيل ضد لبنان وضد المشروع الكبير الذي يبني لبنان آماله عليه لحلّ مشاكله التي قد لا يكون هنالك مخرج منها سوى استخراج ثروته من الغاز وربما من النفط من تلك الحقول الواقعة في مياهه الإقليمبة أو الإقتصادية بل سيكون حزب الله هو المتسبب في هذه الحالة في ضياع آخر فرصة أمام لبنان لاستعادة عافيته في كلا المجالين الإقتصادي والسياسي . ج . بهذا الإتفاق ستحصل إسرائيل أيضاً على هدنة إجبارية طويلة الأمد علي حدودها مع لبنان وستنظر قدماً لتحويلها سلام الأمر الواقع ومكسباً لم تكن تحلم به ولا يغرنك ما تصدره من معلومات وبيانات عن معارضة من هنا أو هناك من بعض السياسيين الإسرائيليين لهذا الإتفاق بحجة أنه تنازل من قبل الحكومة الإسرئيلية للبنان أو أن الإتفاق ناتج عن تهديد حزب الله فتلك هي طريقة إسرائيل لتمرير إتفاقياتها مع كل من مصر ثم مع الأردن وأخيراً وليس آخراً مع السلطة الفلسطينية عندما أجرت إتفاق أوسلو فإسرائيل قبل وبعد عقد كل من تلك الإتفاقيات تقول أنها كانت لغير صالحها في حين لو دققنا في كل من تلك الإتفاقيات لوجدنا أنها جميعاً كانت لصالح إسرائيل بنسبة كبيرة ولم تكن لصالح الجانب العربي لكنه الدهاء والمكر والصبر من قبل اليهود في مقابل اجهل وسذاجة وتسرّع من قبل العرب .