نجح برنامج داود الشريان باقتدار في حلقته الأسبوع الماضي عن الأصوات الشعبية عندما جمع نماذج أصيلة من تراثنا في منصة إعلامية واحدة بثته قناة SBC وشاهده السعوديون بمختلف تنوّعهم التراثي, مؤكّدين على أن التراث يمكن أن يكون رمزاً للوحدة الوطنية بعيداً أن أي تعصب أو نعرات أو استهجان. هنا يتأكد للكل أن من حق أي شريحة اجتماعية أن تعبّر عن تراثها بالطريقة التي تراها مناسبة, ومن حقنا احترام هذا التعبير وقبوله وتعزيزه وتطويره ودعمه, ليس من حق أي أحد يعي معنى التراث أن يضع نفسه فوق الجميع, ويصف ما عداه بالمتخلف أو يلمز أو يغمز في تراث الوطن أياً كان نوعه وشكله ومكانه. تؤكد النظرية (الرومانسية) للألمانيَين الأخوين (جريم, جاكوب وفيلهلم) أهم النظريات في مجال التراث عالمياً أن التراث (متداخل) بين الشعوب, عابر للقارات ولا يعترف بالحدود السياسية, ولا يمكن تصنيف التراث بشكل حدي, هذا للدولة تلك, وذاك لدولة أخرى, أو تصنيفه بصورة فيها نوع من (التملّك) الخالص, هو تراث متداخل ينمو ويتطور أينما حط رحاله, ولا يحق لأحد أن يسمح بظهور نوع تراثي معين ويمنع آخر لأسباب عنصرية أو إقليمية أو اجتماعية. حتى الشيلات التي لاقت اعتراضات لأسباب مختلفة, هي الأخرى تراث أصيل من (فنون الصحراء) علينا احترامه واحترام من يعبّرون به عن ثقافتهم, وقبولنا له لا يعني قبول ما يتخلله من سلبيات وإنما رفض كل ما هو سلبي والإبقاء على (الشيلة) النقية من الشوائب بوصفها تعبيراً لشريحة اجتماعية حقها علينا أن نحترم تعبيرها, مثلما نحترم تعبير شرائح اجتماعية سعودية, مثل: السامري, الخبيتي, المحاورة, الرايح، الناقوز، الربش, الدحة, الخطوة, المجس, النهمة, الطنبورة, الليوة, الصوت, المجيلسي, الرادود, الينبعاوي, الزامل, الرزفة, وغيرها من فنون الأداء. النفس الإقصائي لأي تراث شعبي محلي, يحيلنا إلى موقف هتلر عندما رفض أنواعاً (أجنبية) من التراث حسب وصفه في ألمانيا محاولاً أن يبقي على تراث ألماني نقي, فاضطر إلى إقصاء كل ما هو دخيل على التراث الألماني, ولم ينجح سوى أنه كسب عداء الشعوب وفرق المجتمع الألماني وبات نموذجاً سلبياً لكل من يقصي التراث ويضع بعضه فوق بعض درجات, رحل هتلر وبقي التراث مزهراً ومتنوّعاً ومتداخلاً. داود الشريان في حلقته عن الأصوات الشعبية جاء ليقول إن التراث السعودي تراث أصيل نقبله بكل تنوّعاته ومجتمعاته وفنونه, لا إقصاء ولا عنصرية ولا إقليمية, كل التراث السعودي يمثّلنا نفخر به ونعتز به ومن خلاله يمكن أن نبدع (سمفونيات, وتصاميم, وعمران, وملابس, وألحان ...) تتكئ على تراثنا تعطي لمنتجنا هوية, وذاكرة, وشخصية, وبه ومنه ومن خلاله نصل للعالمية. نقلا عن الجزيرة