«يا معيريس عين الله تراك» أهزوجة تلحقها نغمات الطبول وأدخنة البخور التي خلطتها رائحة ماء الورد، تتناثر على رؤوس الزوار، مشهد رسمه مهرجان «الأحساء المبدعة للحرف اليدوية والفنون الشعبية». وفي أحد زاويا الحي التراثي، وعلى المسرح العام، تتعالى أنغام «المجيلسي» التي تجتذب الزوار منذ أول وهلة لدخولهم مقر المهرجان، لذي تنظمه أمانة الأحساء بالتعاون مع الغرفة التجارية الصناعية في الأحساء والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. في حين دفع الحنين والتعلّق في الماضي، عدد من شبان وفتيات الأحساء إلى إعادة إحياء الحرف اليدوية النابعة من التراث القديم، لتشاهد الصغار يمارسون تلك المهن مع آباءهم وسط دكاكين الحي التراثي، ليسجل المهرجان حضوراً واضحاً في المشهد الاجتماعي والاقتصادي في الاحساء، وتحقيق الهدف في رفع ثقافة المحافظة على الحرف اليدوية، والقيمة التراثية التي تحملها سجلات تاريخ الأحساء. ويحوي المهرجان الذي خصص للحرف اليدوية والفنون الشعبية على 40 حرفة تقوم بعرض منتجاتها والتعريف بالزوار بطرق أدائها، وسط متابعات الزوار وحرصهم على التمسك في ثقافة التراث. فيما تمتلئ ساحات المهرجان بالفنون الشعبية، ففي المسرح العام يقدم فن «المجيلسي» الطرب الأصيل القديم، والذي اشتهرت الأحساء بفنانيها الشعبيين فيه، وفي منتصف المهرجان تقدم فرق الطرف فنون الليوه والرقصات البحرية، في حين تجوب ساحات المهرجان ألوان شعبية مختلفة مثل الفريسة، ودزة المعرس، والبستة، والخماري وغيرها. وبالقرب من المزرعة الأحسائية وسط ساحة المهرجان، يروي أبو فيصل العجوز الممسك بعصاه بالقرب من «القاري»، وأثار التعب ظاهرة على وجنته المجعدة، قصة الفنون الشعبية في الأحساء وأصالتها، مؤكداً أن الأحساء تختزن كنزاً من الفنون الشعبية، والتي مزجت ألوان عدة، نتيجة موقعها الاستراتيجي الرابط بين دول الخليج العربي، وكونها مسرحاً للكثير من رواد الفن الخليجي، وتمتلئ الأحساء بالعديد من ألوان الفنون الشعبية التي تتنوع وتختلف باختلاف وتنوع بيئتها من البحر إلى النخيل إلى الصحراء وكذلك البادية، ما أفرز كما هائلاً من التراث الشعبي الذي أوجدته الظروف عبر الزمن. وأضاف أبو فيصل: «يعود المجيلسي إلى زمن قديم حين كان يعزف في البرايح، أي المكان المتسع في البلد، وأحياناً يكون في المناطق المعزولة خارج النطاق العمراني في البر القريب من البلد، ويقود المجيلسي شاعراً من المنطقة، ويقام بعد أداء العرضة بهدف تمديد وقت العرس، وإطالة الاحساس بالفرح والبهجة وتطول السمرة إلى آخر الليل».