ما زلت أتذكر أجواء زاهية لاجتماع دعيت له في الأحساء قبل سنوات، وكلمات العالم والخبير القدير د.علي الغبان، المشرف من قِبل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لإعداد وتقديم ملف لليونيسكو لتسجيل واحة الأحساء موقعا للتراث العالمي، فقد كان متحمسا حماس المتمرس الواثق، فتحت حزام د. الغبان تسجيل عدة مواقع سعودية لدى اليونيسكو. وكان واضحا أن المهمة هذه المرة تنطوي على تحديات غير معتادة والسبب أن الهيئة تهدف من تقديم الملف إلى "إعادة المكانة التاريخية والحضارية والطبيعية للأحساء باعتبارها أحد أهم مواقع الاستيطان البشري منذ الألفية الخامسة قبل الميلاد"، ولذا فقد سعت لتسجيل واحة الأحساء برمتها وليس موقعا محددا فيها. وفي ذات الاجتماع بين د.الغبان بوضوح أنه والفريق يحظى بإشراف لصيق وبدعم واف من الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. لقد نجح الجهد وباقتدار في تحقيق المهمة، وهذا النجاح جاء بتضافر الجهود مع الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير بدر بن محمد بن جلوي محافظ الأحساء، والشركاء المحليين ولا سيما أمانة الأحساء بقيادة م.عادل الملحم وفريق العمل، وما كان لتلك الجهود أن تكتمل لولا الدور الدؤوب الذي بذله المجتمع المحلي في الأحساء. أما الآن فنحن أمام مفترق، إذ لا بد من الإقرار أننا أهملنا نخيل الواحة، بل وحولنا عن سبق إصرار كثيرا من المزارع إلى عمارات واستراحات تؤجر باليوم وسمينا ذلك "سياحة زراعية"! أما الصناعات التقليدية المتوارثة فقد أصبحت هامشية، ولاحظنا كيف شوهنا "جبل القارة" العتيد بصبات إسمنتية. الآن اختلف الأمر، فلا بد أن نرتقي بتنافسية الواحة من حيث الأداء والممارسة لتصبح على مستوى عالمي، فعلينا العودة للاهتمام البالغ بالنخيل ورعايتها والعناية بجعل الواحة محمية للنخيل، فلا تهان فيها النخلة أبدا ولا تقطع ولا تقتل صبرا، ولا يسمح لأحد أن يعتدي على الواحة التي ذهبت أعمار لغرس نخيلها. ولا بأس أن نستغل الزخم لننتج أفضل أنواع التمور ونصدرها للعالم ونصنعها فذلك يعني إنتاجا ومنفعة للوطن وأهله. ولا بأس أن نعود للعناية بالنسيج والحياكة، ونقيم مهرجانا للمنسوجات التقليدية فقد كانت الأحساء مقصد الحضر والبادية في النسيج؛ أي نعم بطرق تقليدية، لكن كانت المهن المتعلقة بالغزل والحياكة متجذرتين، أما في صناعة المشالح الرجالية والنسائية فقد كانت صناعة الأحساء هي الأفخم والأبهى، تفوقت في تلك الصناعة عمن سواها، فهل تكون للأحساء عودة عالمية؟! نقلا عن الاقتصادية