تشهد بعض الدول المتقدمة، واليابان في مقدمتها تقلصا في عدد سكانها، ما سيزيد عدم التناسب بين قوة العمل وكبار السن خلال النصف الأول من القرن الحالي. وعلى الرغم من أن صحة كبار السن وانخفاض وفياتهم يعد عاملا مؤثرا في شيخوخة السكان، فإن العامل الرئيس هو استمرار انخفاض الخصوبة أو الإنجاب. ومما يؤكد استمرار شيخوخة السكان في هذه الدول عدم وجود دلائل على أن الخصوبة سترتفع في المستقبل القريب في الدول المتقدمة عموما أو اليابان على وجه الخصوص. وتجدر الإشارة إلى أن معدلات الخصوبة الكلية (أي متوسط عدد المواليد للمرأة في سن الإنجاب) في اليابان (1.5)، وإسبانيا (1.3)، وإيطاليا (1.4)، وألمانيا (1.5) والصين (1.6) وكوريا (1.2)، أي أنها تنخفض عن مستوى الإحلال (2)، الذي يعتمد إنجاب كل أبوين طفلين ليحلا محلهما! وسيتفاوت تأثير شيخوخة السكان من دولة لأخرى، تبعا لطبيعة التركيب العمري ومعدل الخصوبة، ومعدلات الهجرة الوافدة، ففي حين أن نسبة كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة (أو بالأصح تصل أعمارهم 65 سنة أو أكثر) ترتفع في اليابان لتصل إلى 26 في المائة، وفي ألمانيا إلى 21 في المائة، وفي إيطاليا وإسبانيا إلى 19 في المائة، فإنها تنخفض نسبيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى 15 في المائة وفي كوريا إلى 13 في المائة، وفي الصين إلى 10 في المائة. ومن المتوقع أن تزيد نسبة كبار السن أكثر على ثلث السكان في معظم الدول المذكورة، ما سيؤدي إلى انكماش قوى العمل، وزيادة معدلات إعالة كبار السن. وتشير دراسة أعدها لاندس ماكليلر وآخرون إلى أنه على الرغم من وجود احتماليات للتكيف مع تحديات شيخوخة السكان، فإن الأرجح أن يواجه البالغون العاملون في اليابان وأوروبا والولاياتالمتحدة، ولاحقا في الصين، دفع ضرائب أعلى، وأن يعمل كبار السن سنوات أطول، وأن يتحمل المتقاعدون العيش على معاشات تقاعدية أقل مما يتوقعون. وبناء عليه لا بد من التخلص من الاعتقاد بأن تشجيع تقاعد كبار السن يزيد من توظيف العاملين الأصغر سنا. وفي كل الأحوال، يمكن أن يسهم إصلاح السياسات والنظم في تخفيف المشكلات المرتبطة بشيخوخة السكان، ولكن لا يمكن التخلص من تلك المشكلات بالكامل. فمهما حاولت الحكومات اتخاذ سياسات في مجال التقاعد والصحة، فإن تأثير شيخوخة السكان لا بد أن تكون حاضرا في الاقتصاد. ففي اليابان - على سبيل المثال - يمكن تحسين كفاءة سوق العمل، ولكن لا بد أن يشهد انخفاضا خلال العقود القادمة، بل إن انكماش قوة العمل قد بدأت تظهر – بالفعل - منذ فترة. ومن نتائج ذلك أن شيخوخة السكان ستؤثر على معدلات الادخار، ما سيؤدي إلى انخفاض المدخرات التي ستلقي بظلالها – في النهاية – على الاقتصاد.وحيال هذه المشكلة، ماذا بقي أمام حكومات هذه الدول؟ هل سترفع الضرائب على العاملين لتمويل الخدمات الاجتماعية؟ أم سترفع سن التقاعد؟ أم ستضع آليات لتشجيع الادخار؟ أم ستشجع الإنجاب للحد من شيخوخة السكان؟ أم أنها ستفتح الباب (ولو قليلا) أمام الهجرة الشابة الوافدة من الدول النامية؟ ولكن نظرا لأن أحلى هذه الخيارات مر، فإنها – ربما - تتخذ سياسات شاملة لمعظم هذه الأمور؟ في الختام، من الأهمية بمكان ألا ينظر إلى شيخوخة السكان بأنها مشكلة الدول المتقدمة فقط، لأن الدول النامية وفي مقدمتها الدول العربية ستكتوي بنار المشكلة ذاتها بعد عقدين أو ثلاثة، ما يتطلب إصلاح أسواق العمل وتطوير نظم التقاعد، وتحسين الخدمات الصحية المخصص لكبار السن، ليس في المستقبل، ولكن بدءا من الآن. نقلا عن الاقتصادية