لم تبقَ أيّام طوال على حياة الصحافة الورقيّة، هي في حقيقتها ميّتة سريرياً وسيُعلَن موتها رسمياً حال إزالة أجهزة الإنعاش المؤقت عنها، والحقيقة هذه لم تعد سرّاً بل تعترف بها كبريات المؤسسات الإعلاميّة الدوليّة، وإن كانت بعض صحفنا المحليّة تكابر في هذه المسألة وترفض الإيمان بفكرة فناء ورقها. المنشآت الإعلاميّة الورقيّة فقدت قدرتها على المنافسة في زمن الرقمنة، زمن الأجهزة اللوحيّة والهواتف المحمولة لا يقبل وجود الورق؛ لأنها أصبحت مثل الجلود التي كان يكتب عليها أسلافنا الأوائل، فهل أحد منّا اليوم يستخدم جلد حيوان ما ليبعث رسالة إلى أحد؟. أزمتان تستخدمان معول الهدم يومياً لإسقاط آخر جدار ورقيّ في الصحافة، الأولى هي ضعف إقبال أفراد المجتمع على شراء الصحف الورقيّة، والثانية اتجاه المُعلن إلى ضخ أمواله في شبكة الإنترنت وتخليه عن بث إعلانه على الورق، وهاتان الأزمتان تعنيان شحّ الموارد الماليّة لذلك النوع من الصحف، بمعنى آخر تكبّد خسائر نقديّة فادحة تعجز عن استرداد ولو القليل من المصروفات. صحيفة ورقيّة كبرى بحجم "نيويورك تايمز" اتجهت إلى تأجير جزء من مبناها لسدّ العجز المالي الذي تواجهه وإيجاد دخل لصرف مستحقات العاملين فيها. الصحفيون المنتسبون إلى المؤسسات الورقيّة أخذوا يتسربون للجهات الحكوميّة والخاصة بحثا عن الأمان الوظيفي، إذ لا أمان مع الورق ولا سبيل للعيش في بيت من ورق كذلك. اقترح أحد العاملين بمجال التطوير في صحيفة محليّة تخفيض سعر الصحف من ريالين إلى نصف ريال، ليسهل تسويقها عند شراء أحدنا مشروباً غازياً، بدلاً من أن تأخذ علكة بإمكانك أن تأخذ صحيفة ورقيّة!. وحالياً تعمل ثلاث صحف محليّة على وضع هيكلة جديدة تمهيداً لإغلاق إصدارها الورقي رسميا مطلع عام 2017 وإعلان التحوّل إلى الفضاء الإلكتروني، ذلك الفضاء الخالي من تكاليف الطباعة ومشقة التوزيع والنشر، وستتبعها دون شكّ بقيّة الصحف الورقيّة مجبرة لا مخيّرة. الصحافة الورقية تقتات حالياً على المبالغ الماليّة العائدة من اشتراكات الدوائر الحكوميّة فيها، لكن الجهات التابعة للدولة بدأت مؤخراً بتقليص نسخها، وإلغاء اشتراكاتها في بعض الصحف وهي في طريقها لأن تفعل ذلك مع الجميع، إذن أليس من المنطقي أن نجزم بزوال ذلك الصنف من الصحف بدلا من مجرد توقع حدوث ذلك؟ * ماجستير في النقد والنظرية