أحسنت وزارة التعليم صنعاً عندما تخلصت من مصطلح (التربية) المرادف (للتعليم) في اسمها ، فقد كان كابوساً وهمّاً ثقيلاً أرهقها حمله .. فالبرغم من أنها لم تكن المسئولة الوحيدة عن هذا الفشل ، إلا أنه كان الباب الذي تأتيها منه رياح النقد الاجتماعي اللاذع المغلف بمنطق : هذه تربيتكم .. وهذه بضاعتكم ونتاج أعمالكم !. لماذا يفشل تعليم الأخلاق في البلاد العربية ؟! ولماذا تتميز الشخصية العربية - حتى لا أقول المسلمة - بهذا الانفصام الكبير بين السلوكيات والعبادات ، رغم تلقيها لكمّ هائل من المواعظ والخطب والدروس في المدارس والمجالس والشوارع وحتى ملاعب الكرة ؟ .. لماذا لا يمارس العربي رُبع ما أُلقي في روعه من دروس وفضائل ، وعُشر ما ( يهايط ) به من مثاليات في تويتر؟!. أسئلة حتى وإن اختلفت في صياغتها واتجاهاتها إلا أنها تتفق بالتأكيد في الإجابة .. التنظير .. فكل ما نعلّمه لأبنائنا في المدارس والبيوت والمساجد لا يتجاوز مرحلة ( التنظير اللفظي الهش ) الذي يتلاشى مع أول اصطدام بواقعنا المتخم بالغش والكذب والزيف والنفاق ! .. كيف يمكن أن تترسخ القيم في أعماق طفل ينشأ وسط مجتمع لا يتعامل إلا بمبدأ (المغالبة) و ( إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب) ؟! وكيف يمكن له أن يُصدّق كلام (داعية) يدعوه للزهد والتواضع ثم يراه ( يتميلح ) في تويتر ب (بنتلي) آخر موديل !! .. وكيف يمكن للمُثل العليا أن تصمد في نفسه وهو يسمع عن قصص ثراء ونجاحات الفاسدين ؟!.. أتفق مع من يقولون أن مناهجنا لا تحوي ما يدعو للتطرف أو للسرقة والرشوة والفساد ،لكن من يضمن لنا أن من يعلمهم ليس متطرفاً ولا فاسداً؟! الناس لايتعلمون بآذانهم بل بعيونهم .. لهذا لا ينشأ الطلاب اليابانيون على صخب المواعظ الجرداء بل على القدوة الملتزمة ، فالتعاون والنظافة وروح القيادة جزء من الدروس اليومية التي تثبت في وجدان الأطفال من خلال تطبيق المعلمين والمجتمع بما فيهم الآباء في البيوت لها . يروي أحد الأصدقاء المبتعثين في إحدى الدول ( الكافرة ) أن معلمة ابنه (الكافرة أيضاً) طلبت منه الحضور للمدرسة لأنها لاحظت سلوكاً (أنانياً) لدى ابنه ، وعند حضوره طلبت منه صراحة أن يكون قدوة لابنه وأن يبحث في العائلة عمن يدفعه لهذا السلوك ثم اتفقت معه على شراء (هدايا) لمدة أسبوع على أن يقوم الطفل بتوزيعها على أصدقائه في الفصل . هل تذكرون النكتة القديمة التي تقول إن أحد الآباء وبعد أن ألقى على ابنه درساً مطولاً في أهمية الصدق وعدم الكذب فوجئ بأحدهم يطرق الباب فطلب من ابنه أن يقول للضيف أنه غير موجود ؟ ..أعيدوا التفكير فيها فهي الإجابة الأصدق على السؤال عنوان المقال. نقلا عن صحيفة المدينة