ينشأ الكذب في الأبناء؛ نتيجة لعدة رواسب منها الترهيب والتخويف اللذان يدفعان الانسان لتفادي العقوبة، والكذب نوع من أنواع القهر الذي يعاني منه الإنسان، ويلجأ إليه للتخلص من مأزق يوضع فيه، ثم يتحول هذا الشعور لديه تدريجياً إلى نمط سلوكي. وبعض الآباء يحرضون أبناءهم على الكذب ويدفعونهم له بطريقة أو بأخرى، مثل أن يقول الأب لأبنه: إذا سألك أحد عني فقل: غير موجود، أو تقول الأم لأبنها: لا تخبر أباك أنني خرجت وإلاّ ضربتك، فهم بذلك يزرعون الكذب كطبع ونمط في سلوكهم، ويخلقون جيلاً من الكذابين الذين سيقودهم كذبهم إلى انحرافات كثيرة؛ تؤثر فيما بعد على تصرفاتهم مع الآخرين. سبب للانحراف تقول "أم عبد العزيز": إن الطفل الذي يشاهد والديه يكذبان في أمور بسيطة جداً، فإنه يتعلم الكذب ويحاكيه، وبالتالي يصبح كذاباً من دون أن يدري، كما أنه يشب على هذه العادة السيئة، وكأنها سلوك طبيعي غير محظور، وفي اعتقادي أن الأم هي المسؤولة في الأساس عن معظم السلوكيات السلبية التى يكتسبها الأبناء في مرحلة الطفولة والمراهقة، لأنها تعتبر بمثابة المدرسة الأولى التي يتربى فيها الأبناء، فتغرس فيهم القيم والأخلاق النبيلة التى تُكون شخصيتهم، فتأخذ بيدهم إلى مستقبل أفضل، فإذا كانت الأم غير واعية وغير مدركة لمدى مسؤليتها التي تؤثر في الأجيال القادمة، فإنها ستكون سبباً رئيسياً في انحرافهم. أسلوب حياته وتؤكد "عواطف" وهي أم لطفلين، على ضرورة تحري الصدق في أفعالنا كآباء وأمهات حتى نكون قدوة طيبة لأبنائنا، فالمؤمن لابد أن يكون صادقاً، فهذا واجب ديني علينا يجب أن نتبعه مع أنفسنا قبل أن نحض أطفالنا عليه، كما ينبغي استعمال الرأفة مع الطفل وعدم ترهيبه وتخويفه من فعل أي شيء، مشيرةً إلى أنه من الواجب علينا التوضيح للأبناء أن الكذب سلوك مذموم؛ مع عدم إغفال تضخيم عقوبة الاسلام له في أحاديثنا معهم، وبذلك نبني حاجزاً نفسياً بين الطفل والكذب، مع تجنب العقاب الشديد والقسوة؛ لأنهما يجعلان الطفل يصر على انتهاجه كأسلوب لحياته يتخلص به من أي مأزق يقع فيه. كل فِعله بكذبة ! وترى "أم سعد" أم لطفلين، أن الطفل الذي ينشأ في وسط لا يتحرز فيه الكبار من الكذب لا يملك إلا أن ينشأ كذاباً، كشأن اللذين اقتدى بهم في صغره ونشأ بينهم، فما الذي يهديه اليه كذبه؟، بالطبع سيهديه الى الغش والخيانة وإضاعة الأمانة، إلى جانب الاستهانة بحقوق غيره، وبالواجبات التي يجب عليه أداؤها، مادام يستطيع أن يتخلص من كل فِعله بكذبه، ثم يتفشى ذلك في الناس فيكون ما نراه الآن من عموم "البلوى" بهذه الأمراض الاجتماعية في البيت والمدرسة والعلاقات الخاصة والعامة، حتى أصبح الكذب قاعدة والصدق استثناء عند عدد كبير من الناس، مضيفةً أن أقبح مايكون الكذب من الذين تضعهم مناصبهم أو مقاديرهم في موضع الأسوة والقدوة لغيرهم، أو في مواضع التقليد والتشبيه من اتباعهم. مسلسلات "كارتونية" وتقول "مريم" معلمة وأم لثلاثة أطفال، إن الفضائيات وما يبث فيها من بعض المسلسلات التلفزيونية والكارتونية أصبحت مدرسة لتعليم أبنائنا الكذب، فنحن نشاهد في هذه الأعمال التي يقبل عليها الأطفال ويحاكون ما يشاهدونه فيها كيف يكذب الكبار أمام الصغار، وكيف يدفع الكبار صغارهم إلى الكذب والتحايل، وكيف يتحايل الصغار على الكبار عن طريق الكذب والنفاق، لعدم توقيع عقاب عليهم في حالة تقصيرهم نحو أداء واجباتهم المدرسية، أو ارتكابهم أخطاء وتجاوزات سلوكية داخل المنزل وفي الشارع وفي النادي وغير ذلك. قدوة طيبة وتؤكد "ليلى" على أهمية تربية أبنائنا على فضيلة الصدق، فهو أساس كل الفضائل، وفي ضلاله تحيا الحقيقة وتشرق العدالة وتطمئن الحياة، فالانسان الصادق شخصية محبوبة عند الناس، ولا يكفي أن ننصح أبناءنا بعدم الكذب أو نحذرهم من عواقبه في الدنيا والآخرة، بل لابد أن نكون قدوة طيبة لهم في ذلك، فلا نكذب أمامهم أو بعيداً عنهم؛ لأن الانسان الكذاب سينكشف أمره أمام الجميع مهما حاول اخفاء هذه الصفة، وسوف يجني عقاب كذبه في الدنيا والآخرة.