في زمن الواسطة هل صحيح أن من جد وجد إن الحياة في الشارع والمدرسة ومكان العمل والمنزل والملعب ليست الحياة الوردية على سطح الورق وبين الحكم والامثال والقيم .. الحياة واقع وليست حُلم .. فلندرس النشئ واقع الحياة وليس اماني الحياة هل صحيح أن : من جد وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل ؟ للدكتور علي الوردي ( عالم اجتماع عراقي ) رأي بهذه الاقوال و( الحكم ) يرى أنها غير صحيحة , وانها لمجرد الاستهلاك ومواد مخدرة من قبل المتنفذين لإولئك الكادحين الذين لم تخدمهم المحسوبية والوصولية والواسطة , وللحالمين والمثاليين .. اما الصحيح فإن الواقع / الحياة , لاتؤمن بمثل هذه الاقوال .. فالحياة للغالب بأي وسيلة , وفق الواقع الاجتماعي لاقيمة لهذه الاشياء ..ولا تكسب صاحبها أي منفعة اجتماعية ولا نفسية ولا تساهم في أن يحيا طفولة صحية قادرة على مواجهة الواقع والعبور من خلاله بأمان , وبالتالي فإن هذه الاشياء لا تسبب له إلا المزيد من العقد..والصدمات المتوالية..جراء عجزه عن التوفيق بين دواخله الجميلة وبين اضطراره أن يحيا في وسط لا يقيم وزنا لهذ القيم. ربما الافضل تدريب الناشئة الصغار على اساليب تعايش منتخبة نوعيا واكثر واقعية وتماهيا مع الواقع الاجتماعي اليومي , ربما أن تعويد الطفل كيف يصير قويا في مجتمع لا يحترم إلا القوي هو الاجدى , لان المجتمع يخاف من القوي فقط, ولذلك فقط يحترمه , بل يهابه , بتعبير أصح.. يجدر تعويده كيف يكتسب (اللكاعة - الفهلوة - الشطارة ).. الدهاء واللماحة لكي يستطيع حماية نفسة وعدم ابتذال شخصيته و السيطرة على مصالحه وعدم تعريضها للتبدد والانتهاك بسبب أن أدواته القيمية الجميلة غير قادرة على حفظها وصيانتها . الوسط الذي ينشأ فيه الاطفال خارج البيت..أعني المدرسة والشارع إنما هو وسط فاسد ..لا يصلح فيه الرهان على النجاح عبر القيم الجميلة, ولا مردود للاحتفاظ بها غير اكتساب العُقد , إن تعليم الأولاد الذكاء الاجتماعي, وعبرهذا المنهج نستطيع أن نصنع فيهم الفراسة الاجتماعية التي تحميهم من الوقوع في فخاخ الذئاب , في وسط إن لم تكن ذئباً اكلتك النعاج . لماذا لايتمتع الشرفاء والاتقياء بمزايا الحياة , ولماذا لايدرك كثير من المفكرين والحكماء مباهج الدنيا والفوز بمقاعد متقدمة من ملذاتها .. بل لماذا يدرك الساقطون والفاشلون والاقل فكراً وثقافة وعلماً ونزاهة , بل والاغبياء والحمقاء كل فرص الحياة ومراكز متقدمة في الوظائف والمعاش والسلطة , الفيلسوف السعودي عبدالله القصيمي , له رأي آخر يوضحه هذا النص من كتاب ( كبرياء التأريخ في مأزق ) لعبدالله القصيمي : ( لاينبغي أن نتعجب إذا رأينا التافهين والاغبياء والفاسدين والساقطين يصيبون من مزايا الحياة والانتصار فيها أكثر مما يصيب الآخرون والواقفون على الطرف الآخر بمزاياهم المضادة , بل إذا رأينا أولئك هم وحدهم الذين تهبهم الحياة كل حبها ومزاياها , فأولئك التافهون والساقطون والاغبياء قد توافقوا مع الحياة توافقاً مكانياً كما يتوافق الحجر مع الحجر أو مع الاحجار الأخرى , فيأخذ مكانه المناسب منها , وإن لم يتوافقوا معها توافقاً عقلياً أو اخلاقياً .. فالحياة كما ذكر ليست سلوكاً أدبياً أو فكرياً , ولكنها قوانين زمانية ومكانية , هي طاقة وحركة وليست فضيلة , وبهذا يمكن الحكم عليها بأنها شئ يستطاع التعامل معه بالحركة والتوافق , ولكنها ليست شيئاً يستطاع التعامل معه بشرف ونزاهة , إن الحياة وجود له قوانينه الجارحة , وليست صداقة لها مزاياها الذكية , و بقدر مانكون داخل الحياة نكون خارج الاخلاق ) إن ( القصيمي والوردي وغيرهم ) كل منهم قرأ الحياة كما هي .. لا كما يجب أن تكون , انهم كمفكرين سبروا واقع الناس الموّار , حراك الحياة اليومي وصخبها .. كماهي لاكما نتمنى أن تكون .. انهم يصفون الحياة بدقه عقلانية , الحياة كما يعيشها الناس , وليس الواجب والمفروض . إن لغة الحياة هي التناغم و التكيّف , وليست العقلانية العلمية الصرفة, هي شفرة ( كيف تُؤكل الكتف ) وليست من جد وجد ومن زرع حصد , إن المُثل والاخلاق والنظريات هي للكتب والخطب على الورق , اما الحياة فهي التوافق , هي صيد الفرص , فواقع الحياة لايعرف لغة البلاغة والفصا حة والحكمة , فهذه لبطون الكتب ومقاعد الدراسة ومنابر الخطباء .. اما توترات الحياة اليومية واصابة نجاحاتها فهي لمن يفهم لغة الحياة , لغة الواقع ليست لمن يبالغ في المثالية وليست للحالمين . إن الحياة قدرة وإرادة أو فقد للقدرة والإرادة , إنها حركات تتناسب مع زمانها ومكانها ولغتها وقدرها وليست ذكاءًا ورشداً , فقد يكون من يفقد الذكاء أو اية فضيلة نفسية وانسانية يعرف قوانين الحياة ويتوافق مع حركتها ويفهم تناغمها وينتظم في دروبها أكثر نجاحاً من أعظم فيلسوف وأعظم مفكر يصوغها بمنطقة ويحاكمها بنظرياته وفكره . الحياة قد تتنكر لمن ينكر واقعها , ويتعامل معها على أنها مثل وقيم , وقد تجرح وتؤذي من لايعترف بتناقضاتها ويعايشها كأنها نظرية عددية حسابية 1+1 لابد أن يساوي اثنان ,, بل الحياة تنفر وتفر ممن يريد حبسها في قمقم الحكماء والفلاسفة , نعم الحياة علم , لكنه علم كيف تعيش , كيف تتكيف , كيف تتوافق معها , ومع انشطاراتها وتقلباتها .. كيف توازن بين ماتريد وتتمنى وبين ماهو امامك من فرص . لاكيف تدخل مع الحياة بجدلية الصواب والخطأ , هذه هي نفسية الحياة .. هذا هو رتمها . اما أن اردنا أن نقراء الحياة ونخضعها لمقاييس ومعايير التنظير والعقل والادراك , فالحياة أميّة لم تدخل مدرسة ولاجامعه .. أنها لغة السوق ولغة التجربة , ولغة الفصل بين المفروض والواقع , بين ايقاع الحياة الصا خب وسكون النظريات .. هذه هي الحياة لايفهمها الا من يقبلها على علاتها , اسلوب الحياة هو كيف تتملص من نظريات القيم بطريقة أنك مهموم بالقيم , لا تتخلّى الحياة عن الذين منحوها حبّهم بكلّ تشبّث. إنّ الحياة تهب نفسها فقط لمن يتقنون فنّها عبدالعزيز السويد