في العام 1995م دخلت منظومة الأمن السعودي منعطفا جديدا تطلب رؤية مختلفة عن المسار الأمني المعتاد في أي منظومة أمنية، فمحاربة الإرهاب الموجودة في منظومة الأمن وجدت نفسها في مواجهة فعلية مع أول عملية إرهابية حيث قام مجوعة من أنصار القاعدة بأول تفجير يقع تحت تأثير أيديولوجي ويتم التخطيط والتنفيذ له وفق هذا المنظور. في العام 1996 تحدث عملية إرهابية بدت وكأنها نقيض فعلي للعملية الأولى من حيث التنفيذ، على اعتبار أن عملية الخبر عملية سياسية حدثت بدعم من دولة معادية، ولكنها اشتركت مع العملية الأولى في ذات قضيتها الأيدولوجية فقد كانت تنتشر في ذلك الوقت فكرة إخراج المشركين من جزيرة العرب وهي الفكرة التي صاغ الإرهاب من خلالها هاتين العمليتين ومبرراته في تنفيذ أول عملين إرهابيين تختلط فيهما الأهداف الأيديولوجية مع السياسية. الحقيقة أنه مع كل هذا التاريخ الطويل من الحرب ضد الإرهاب إلا أن المجتمع السعودي لم يتأثر سلبياً، فالخطاب المجتمعي والثقافي والإعلامي والديني كلها أبدت توافقاً حقيقياً مع أجهزة الأمن، وهذا جزء كبير من النجاح الذي تحقق خلال هذا التاريخ الطويل في محاربة الإرهاب.. حتى العام 2003م بقيت المملكة دون التعرض لأي عملية إرهابية أي بعد سبع سنوات من عملية مدينة الخبر، ولكن خلال هذه الفترة حدثت أكبر عملية إرهابية في هذا القرن فقد نفذت القاعدة عملية سبتمبر الشهيرة في العام 2001م، هذه العملية ساهمت في خلط الأرواق في العالم كله، فقد تسببت هذه العملية في تغيير جذري في السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وساهمت عملية سبتمبر في التأسيس لإستراتيجية سياسية اجتاحت المنطقة للعقود اللاحقة لعملية سبتمبر. ما بين العام 2003م والعام 2015م حدث ما يقترب من أربع عشرة عملية إرهابية نفذت ضد المجتمع السعودي، واستهدف فيها رجال الأمن وطالت أيضا فئات أخرى من العاملين في المجتمع، في هذه العمليات وخلال ما يقارب عقدين من الزمن لم تكن وتيرة الإرهاب في ذات الاتجاه فقد كانت القاعدة وحتى ظهور تنظيم داعش هي من يتبنى العمليات الإرهابية بغض النظر عما إذا كانت هذه العمليات نفذتها القاعدة أو أحد فروعها. جميع هذه العمليات الإرهابية التي حدثت لم تكن الوحيدة فقد ساهم الأمن السعودي في إحباط مئات العمليات الإرهابية في مقابل هذا الكم منها والذي تم تنفيذه فعليا، ولذلك يمكن القول إن الأمن السعودي وخلال الثلاثة عقود الماضية ظل في مواجهة فعلية وحرب حقيقية مع الإرهاب والإرهابيين واستطاع إفشال الكثير من أهداف الإرهاب. لم تكن تلك الحرب التي قادتها أجهزة الأمن الداخلي ضد الإرهاب عملية مباشرة ضد منفذين خارجيين فقط، فلقد كانت التأثيرات المباشرة على أبناء المجتمع إشكالية كبرى في مواجهة الكثير من العمليات الإرهابية التي حدثت وكانت مشاركة أبناء المجتمع مفاجأة حقيقية للجميع، فلم يكن متوقعا أو محتملا أن يتم التأثير على أبناء المجتمع بهذه الطريقة وهذه القدرة من التأثير الفعلي على فئات من أفراد المجتمع، حيث ساهمت هذه التأثيرات في صناعة جيل من الإرهابيين في محيط أيديولوجي تبنى التطرف بين تلك الفئات. خلال تاريخ طويل من مواجهة الإرهاب وجد الأمن السعودي بمؤسساته الأمنية في مواجهة مباشرة أمام فئات انقسمت إلى قسمين فحتى العام 2006م أو بعده بقليل، كانت العمليات الإرهابية تنفذ من قبل إرهابيين شاركوا في الحرب الأفغانية ولديهم خبرات تكتيكية. العمليات الأخيرة وخاصة بعد ظهور تنظيم داعش شهدت فئات من الإرهابيين لم يكن لها مشاركات عسكرية في أفغانستان، وإن كان بعضها شارك في حروب الثورات العربية وقد ظهرت منهجيات جديدة في عمليات التجنيد اعتمدت على صغار السن تحديدا، وقد استطاعت قوات الأمن السعودية أن توقف (844) من السعوديين وذلك من شهر مايو 2014م وحتى شهر يوليو 2015م وذلك بحسب الإحصاءات الرسمية. المواجهة بين أجهزة الأمن والإرهاب عملية معقدة واحتاجت الكثير من التضحية ووجد الأمن السعودي تقديرا محليا ودوليا، وهذا نتيجة طبيعية لهذا الكم الهائل من العمل المباشرة في سبيل توفير مناخ أمني كبير للمجتمع، والحقيقة أنه مع كل هذا التاريخ الطويل من الحرب ضد الإرهاب إلا أن المجتمع السعودي لم يتأثر سلبيا، فالخطاب المجتمعي والثقافي والإعلامي والديني كلها أبدت توافقا حقيقيا مع أجهزة الأمن، وهذا جزء كبير من النجاح الذي تحقق خلال هذا التاريخ الطويل في محاربة الإرهاب. السؤال المهم اليوم حول آليات التعامل مع تنامي ظاهرة التجنيد وخاصة صغار السن ممن لم يكن لديهم أي تاريخ ذي علاقة مباشرة بالمشاركة في عمليات إرهابية، في الواقع يحسب لأجهزة الأمن السعودي وتحديدا وزارة الداخلية كم التعقل الكبير الذي من خلاله تم التعامل مع ظواهر مشاركة الشباب في العمليات الإرهابية، وأعتقد أن فكرة المناصحة هي فكرة رائدة وإن كانت عانت من بعض القصور، ومع ذلك فهي مازالت بحاجة إلى تطوير في آلياتها اعتمادا على النهج المختلف لعمليات التجنيد والفئات المستهدفة من صغار السن. الإرهاب الذي أتى بعد أحداث الربيع العربي أصبح ذا طابع مختلف حيث دخلت عملية الإرهاب منعطفا مختلفا، فبعدما كان الإرهاب انتقائيا وموجها ضد مجتمعات بعينها ها هو اليوم وبعد أحداث الثورات العربية يتحول إلى قضية سياسية، ويدخل طرفا في الحرب والمواجهة بين الدول، ولعل دول الخليج ومنها المملكة تشكل أحد أهم الأهداف المعلنة للتنظيمات الإرهابية. وزارة الداخلية بقياداتها السياسية والأمنية شكلت ركيزة أساسية للثقة المجتمعية حيث يراهن المجتمع وبشكل مستمر على أن وزارة الداخلية قادرة بشكل دائم على المواجهة، فخلال هذا التاريخ الطويل من الحرب على الإرهاب تكونت خبرات أمنية كبيرة لدى هذا الجهاز، ومن المؤكد أن الأجهزة الأمنية سوف تتكفل بشكل مستمر في الحرب على الإرهاب كما أن البعد السياسي في المنظومة الأمنية سوف يمارس دوره أيضا. السؤال الأخير حول حرب الإرهاب في شقه الثقافي يتطلب أن تساهم وزارة الداخلية ذاتها في قراءة علمية لظاهرة الإرهاب وأن توفر المجال للدراسين الجادين لتحليل هذه الظاهرة وتأثيرها على المجتمع وتوقعات المستقبل حول وتأثيرها، فالتحولات التي حدثت في ظاهرة الإرهاب وخصوصا عمليات التجنيد بالإضافة إلى التحولات الأيديولوجية في هذه الظاهرة واتجاهها إلى إثارة الفتنة الطائفية والانتقام من المجتمع بجميع أجهزته كل هذا يتطلب أن تساهم أجهزة الأمن في دراسة هذه الأبعاد بشكل دقيق وعلمي وفتح المجال للمشاركة العملية في تحليل هذه الظاهرة نقلا عن الرياض