المقصود بالفقه في اللغة العربية الفهم أو نحوه. والمشهور عند أهل الفقه تعريفه بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. والأدلة التفصيلية تعرف من الكتاب والسنة. أما القانون فيعني مجموعة القواعد الاجتماعية الملزمة المنظمة لعلاقات الأفراد داخل الجماعة، التي تستتبع مخالفتها توقيع الجزاء. ومن ثم نعرف أن الأحكام الشرعية العملية إذا وضعت على صيغة قواعد ملزمة فهي قانون أيضا بالمعنى السابق للقانون. أما علم الاقتصاد فهو لا يعنى أساسا بوضع قواعد للسلوك، ولو فعل لكان لغوا لأنه تكرار للقانون بمسمى آخر. ويتلخص معنى ومغزى علم الاقتصاد في دراسة كيفية استخدام الموارد المتاحة لإنتاج السلع والخدمات، وقد يعبر عن هذه الكيفية بتعبير آخر، دراسة الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة. ماذا نفهم من مقارنة المعاني السابقة؟ هناك قانون وهناك استخدام أمثل لموارد ذات قدر محدد، وليس بالضرورة أن يتفق القانون مع الاستخدام الأمثل، إذ قد يخفى ذلك على أهل الفقه و/أو القانون. وهنا دور علم الاقتصاد، وبعبارة أدق التحليل الاقتصادي. قبل نحو نصف قرن، كان التحليل الاقتصادي "في الدول الصناعية الرئيسة على الأقل"، يتركز على قضايا التكتلات والاحتكارات، وعلى التنظيمات الحكومية للاقتصاد، ولكن التحليل الاقتصادي والتفاعل بين الاقتصاديين والقانونيين توسع بعد ذلك. بصفة عامة، يدخل التحليل الاقتصادي للقانون ثلاثة جوانب مختلفة. الكلام ينطبق أيضا على الأحكام الفقهية المقننة. أي الموضوعة بالصيغة المعتادة في القوانين. الجانب الأول استخدام علم الاقتصاد لدراسة الآثار المتوقع حدوثها في المستقبل نتيجة تطبيق قوانين "أنظمة" بعينها. الجانب الثاني يختص باستعمال علم الاقتصاد لمعرفة أي القوانين أكثر كفاءة من وجهة اقتصادية، التي تعني بعبارة تقريبية ومفهومة من غير الاقتصاديين الحصول أو محاولة الحصول على أقصى منفعة مادية أو أقل خسارة مادية ممكنة صافية من الموارد المتاحة. الكلام السابق ممكن تطبيقه على آراء فقهية. وأما الجانب الأخير فهو استعمال علم الاقتصاد لتوقع كيف ستكون الأحكام القانونية "بما في ذلك الأحكام الفقهية المقننة" في المستقبل. لوحظ في الجانب الأول أن التحليل الاقتصادي يبين نتائج أو آثارا للقوانين ما كان في حسبان واضعي القوانين حدوثها، ومن أمثلة ذلك بيان الآثار غير المرغوب بها التي يجهل واضعو القوانين إمكان حدوثها عند منح بعض الإعانات أو الإعفاءات، أو عند عمل رقابة سعرية على بعض السلع أو الخدمات، أو عند فرض قيود على بعض الأنشطة الاقتصادية أو ضوابط على كيفية ممارسة الأعمال أو على توظيف وفصل اليد العاملة في الشركات وحقوقها. ولذلك فإنه عند تقييم القوانين "الأنظمة" أو سنها فإنه ينبغي عدم النظر فقط إلى جانب تحقيقها للعدل، ولكن أيضا إلى مدى آثارها على الأهداف الأخرى غير العدل كتحقيق النمو الاقتصادي، وتقليل البطالة، وكونها تؤثر على سلوكيات الناس الاقتصادية بطريقة مقبولة. بالنسبة للجانب الثاني وهو الكفاءة الاقتصادية، السابق شرح معناها، فهو مبني على فكرة أن الأنظمة تهدف إلى تحقيق الكفاءة الاقتصادية. المشكلة في هذا الجانب هي أن واضعي القوانين قد لا يقصدون بالضرورة إعطاء الكفاءة الاقتصادية أولوية. مشكلة أخرى هي أن هناك خلافات بين أفراد المجتمع في تقدير أهمية المنفعة المحققة. لكن على الرغم من هذه المشكلات فإن الكفاءة الاقتصادية على الأقل تساعد على حسن الاختيار عند وضع القوانين. الجانب الأخير وهو توقع ما سيكون عليه القانون. التحليل الاقتصادي سواء للقانون أو غيره، يمكن النظر إليه على أنه محاولة لتعلم ما ينبغي أن يكون، أو محاولة لشرح ما هو كائن، وما يتوقع أن يكون. في الوقت الحاضر هناك اهتمام متزايد من عدة جامعات "في الغرب" لتدريس مقرر تطبيقي يعنى بالتحليل الاقتصادي للقانون، غالبا تحت مسمى "قانون وعلم اقتصاد law and economics". ويدرس هذا المقرر في العادة في أقسام ومدارس القانون، بعد دراسة مقرر عن مبادئ الاقتصاد، وأحيانا يحوي مقرر القانون والاقتصاد في بدايته قسما كاملا عن مبادئ الاقتصاد. مقرر القانون والاقتصاد يناسب الشرعيين والقانونيين الذين لا يهوون الموضوعات الكمية. ذلك لأن علم الاقتصاد، وخصوصا في مرحلة الدراسات العليا، يعتمد على الإحصاء والرياضيات بقوة. لكن فهم مبادئ الاقتصاد لا تتطلب إلا توافر مهارات رياضية بسيطة نسبيا. نقلا عن الاقتصادية