من المفارقات التي أجد صعوبة في فهمها، أن جميع البلاد الإسلامية لا تشهد تعايشاً مذهبياً بين أصحاب الدين الواحد مقارنة بالهند التي تشهد تعايشاً شبه مثالي بين اتباع مئات الأديان المختلفة. في الهند هناك تنوع على صعيد اللغات والثقافات وليس على صعيد الأديان وحدها . وفي الهند أيضاً جهل، وهناك فقر لا يعرف نصفه بلد إسلامي واحد!.. فلماذا يا ترى نجحت الهند في تجربتها، وقضت على العنف الديني والعقدي، وأصبحت إحدى أهم القوى الناشئة إقتصادياً، فضلا عن كون ديمقراطيتها واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم؟ ببساطة فقد نجحت الهند لأن معركتها كانت على الأرض لا في السماء. السماء ليست ملكاً لنا، ومهما اختلفنا حولها وبسببها، فإنها لا تمنح أسرارها لأحد. فقط الأرض التي بإمكاننا أن نغيرها ونحارب من أجلها. السماء أصلاً لا تعترف بمنطق العراك، المحبة هي الطريق إلى السماء، أما العراك فغير مسموح به هناك. معركتنا يجب أن تبقى على الأرض التي هي لي ولك وله. إما أن نكون أو لا نكون. إما أن نستحق نعمة الحياة ونكون أهلاً لمسئولية الاستخلاف، وإما لا. المعركة ها هنا، ولكي ننتصر في المعركة علينا أن نحب الأرض بكل ما تهبنا إياه من ثمار مختلفة. لكي نكون أبناء هذه الأم المعطاء، علينا أن نحاول محاكاتها في تنوعها. الحب الذي تتقبل به الأرض كل ما يغرس في أحشائها من بذور، هو الذي يجب أن نتمثله، حتى نكون جديرين بالأرض التي نملكها. لقد اختصمنا نحن بشأن السماء، فلفظتنا الأرض، وابتعدنا في نفس الوقت عن السماء، أكثر من أي وقت مضى!.. وها نحن اليوم نغوص في بحور الدم، بدلاً من أن نقف بثبات على الأرض، أو نتسامى بشفافية إلى السماء. لقد أضعنا الطريق ولم نستفد من تجارب التاريخ، وفي الوقت الذي كفرت فيه أمم الأرض بالأفكار المتعلقة ( بالقتل المقدس ) مقابل إيمانها بالإنسان وتمسكها بالحرية وحرصها على المساواة تحت مظلة المواطنة، وسعيها الدؤوب نحو تحقيق الرخاء، اندفعنا نحن لنقتل بعضنا البعض ونقسم بلادنا ونعبث بأمننا ونضحي بمستقبل أولادنا، من أجل معركة يحاول فيها كل طرف أن يثبت أن السماء ملك له وحده! الطريق إلى السماء يبدأ من الأرض غير الملطخة بالدماء. نظفوا أراضيكم لتجدوا لكم مكاناً في السماء. نقلا عن المدينة