الدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد ، تبوَّأت العديد من المناصب القيادية ومنها وزيرة للمغتربين السوريين، وهي أستاذة الشعر والأدب المقارن وعضوة في رابطة كيتس وشيلي الأمريكية لها العديد من المؤلفات خاصة فيما يتعلق بدفاعها عن المرأة العربية. «الرياض» التقتها لتطرح عليها العديد من القضايا من خلال الحوار التالي: * كيف تنظرون لأهمية وضرورة المبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين فيما يتعلق بالسلام وكيف يمكن لسوريا الدفع باتجاه تفعيل هذا المشروع العربي وبما يتناسب مع حقوق شعبنا الفلسطيني المشروعة في استعادة اراضيه المغتصبة قسرا وقهرا وعدوانا؟ - لاشك أن مبادرة السلام العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين في قمة بيروت للعام 2002، والتي وافق عليها جميع العرب ، أصبحت تشكّل إحدى مرجعيات عملية السلام العربية، والتي تهدف من وجهة نظر العرب إلى إحلال السلام العادل والشامل في منطقتنا المنكوبة بالاحتلال والاستيطان. إلا أن العدوّ الصهيوني، والذي يتبع سياسة المماطلة أمام الأسرة الدولية، يشتري المزيد من الوقت فقط لتوسيع مستعمراته وتهجير المزيد من السكان العرب الأصليين، سكان هذه البلاد منذ آلاف السنين، وخاصة بعد أن عبرت الولاياتالمتحدة للعالم برمته عن عجزها عن ممارسة أي ضغط على كيان تزوّده بكل أنواع الأسلحة الفتّاكة، وبتمويل بناء تلك المستعمرات، وتتنصّل من إمكانية الضغط عليه. ولذلك فإن الأمل الحقيقي من أجل تحقيق سلام عادل وشامل، كما نصّت مبادرة السلام العربية، يبقى في موقف عربي واحد وموّحد من مختلف القضايا المصيرية المطروحة عليه، وخاصة من الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث يستهدف هذا الكيان الحضارة العربية والتاريخ العربي، والمكانة الدولية للعرب، بينما يعتقد بعض العرب أن المستهدف هم الفلسطينيون، أو العراقيون، أو اللبنانيون، أو السودانيون، أو اليمنيون، ولن تصبح أي مبادرة عربية ذات وزن على الساحة الدولية، ما لم يؤمن العرب بواقع الأمور، والواقع هو أن الغرب وحربته الأساسية، الكيان الصهيوني، يروننا جميعاً كعرب، ويستهدفوننا جميعاً. وما الفلسطينيون، سوى الخط الأول للدفاع عن حضارة هذه الأمة وحقوقها وأرضها وشعبها، الذي يواجه أطماعاً قديمة جديدة بثرواته المادية والحضارية والإنسانية، ولذلك أعتقد أن تفعيل هذا المشروع يعتمد على العرب أنفسهم، وعلى اتخاذهم موقفاً موحّداً من قضاياهم، مما يعلي شأنهم ودورهم في أنظار الآخرين. * حققت المملكة ضربات استباقية للإرهاب والإرهابيين وخاصة الضربة الأخيرة التي كشفت عدة اساليب ارهابية مستجدة لدى مجرمي القاعدة هل يمكن القول معالي الوزيرة ان تلك النجاحات التي حققها رجال الأمن السعوديون ستدفع باتجاه انحسار جرائم القاعدة على الأقل في المشهد المحلي السعودي ؟ - طبعاً، آمل أن تتمكن السعودية من تحقيق انحسار لجرائم القاعدة ، لأن تلك الجرائم سبّبت وبالاً للمسلمين في كل مكان. ولا شك أنه من مصلحة العرب والمسلمين التكاتف والتعاون ضدّ الإرهاب والإرهابيين، لأن هؤلاء يقدّمون خدمة للمشروع الصهيوني التفتيتي في المنطقة. المبادرة العربية أهم مرجعية لعملية السلام .. والنجاح يتحقق عبر موقف عربي واحد وموحّد * الإرهاب ، أنامسلم ، أنا ضحيته .. عناوين قوية وصارخة أطلقتها على قضايا الإرهاب والذي ضرب المنطقة العربية كيف تحدثيننا عن ذلك ؟ - نعم، نحن المسلمين، ضحايا للإرهاب، داخل بلداننا وخارجها. منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، والتي وصمت المسلمين جميعاً بالإرهاب، صدرت قوانين في الغرب حوّلت جميع المسلمين إلى مشتبه بهم، ومن هنا نلمس معاناة الأبرياء في غوانتانامو، وأبو غريب، وفي الولاياتالمتحدة، وأوروبا، ومع كل مطلع شمس، هناك مسلمون ومسلمات، يلقى القبض عليهم في كلّ مكان، بحجة التهمة بالإرهاب، حتى أن تمويل مشفى في غزة، يعتبر عملاً إرهابياً، بعد أن وصمت الولاياتالمتحدة المقاومة بتهمة الإرهاب، وكلّ ما يشدّ من أزرها من معونات حتى طبية وغذائية، يعتبر عملاً إرهابياً. أما تمويل إسرائيل، وتزويدها بالقنابل العنقودية، والنووية، فيعتبر دفاعاً عن النفس. هذه هي الازدواجية الغربية، والتي للأسف، تشكّل مرجعية لمعظم وسائل إعلامنا العربي، إذ لا توجد مرجعية عربية واحدة تكشف زيف وحقد الغرب على العرب والمسلمين خدمة للمشروع الصهيوني العنصري، والذي يبثّ سموم الاغتيال، والعرقية، والطائفية في منطقتنا التي هي مهد الأديان السماوية، ورمز التعايش، والمحبة لآلاف السنين بين كل الأعراق ومتّبعي جميع الأديان. * التقارب السعودي -السوري يدفع وبدون شك في حلحلة العديد من القضايا العربية الشائكة وخاصة الاستقرار والوفاق في لبنان كيف ترين ذلك ؟ - العلاقة السورية – السعودية مهمة لكلا البلدين ، كما أنها مهمة لتوجهات المنطقة، وأمنها، واستقرارها، ومن ضمن البلدان التي تؤثر العلاقة إيجاباً عليها هو لبنان، ولذلك نجد الترحيب من كلّ الأطراف بالتفاهم السوري – السعودي، والذي بإذن الله يوظف لخدمة مصالح الأمة برمتها، وقضاياها العادلة، لأن المشروع الأميركي – الصهيوني واحد، ولكن أساليبه ومرتسماته مختلفة من بلد إلى آخر. تركيا بقيادة «حزب العدالة والتنمية» تسعى من أجل علاقات خاصة مع كافة الدول العربية * المثلث السعودي السوري المصري هل تعتقدون بانه يشكل اهمية قصوى في المشهد السياسي العربي؟ - اعتقد أن وحدة كلمة العرب جميعاًَ، وتعاونهم، وتعاضدهم الفعلي، أمر في غاية الأهمية. سوريا، ومصر، والسعودية، والمغرب العربي، والجزائر، وكل البلدان العربية، من المهم أن تلتقي، وأن تتناقش بصراحة ومودّة، وأن ترى أن مصيرها واحد، وأن الغرب والشرق يتحدثون عن " العرب" ولا يفرّقون بين عربي في أقصى المغرب العربي، وعربيّ في أقصى مشرقه، فلماذا لا نرى نحن أنفسنا في السياق ذاته، فنتحد على كل ما يزيد من شأننا، وننبذ ضعفنا، والذي تسببه الاختراقات والفرقة التي يتمّ بثّها عمداً بين ظهرانينا. * طرح فخامة الرئيس الدكتور بشار الأسد في قمة سرت بان المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية يجب ان تطرح داخل القمة العربية وليس من خلال لجان او قرار جزئي باعتبار ان هذا الموضوع يشكل قضية العرب الاولى كيف نقرأ هذا الطرح ؟ - كان السيد الرئيس بشار الأسد يعلّق في قمة سرت على دور لجنة المبادرة العربية في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، لأن لجنة المبادرة شكلت بهدف العمل على الترويج للمبادرة العربية، وشرح أسسها، ومحاولة تحقيق الدعم الدولي لها ، ولذلك قال الرئيس الأسد في قمة سرت إذا أراد العرب أن يبدوا رأياً بشأن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، فليطرح هذا الموضوع على القمة العربية، لأنه موضوع مصيري ، وهذا هو الرأي الصائب عربياً وقانونياً وتنظيمياً. * معالي الوزيرة هل يمكن القول ان المعادلة الاقليمية بدأت تتغير لما فية صيانة الحق العربي واستعادة حقوقه وهيبته؟ - بعد انتصار المقاومة في الحرب الإسرائيلية الغاشمة على لبنان عام 2006، وبعد صمود الشعب الفلسطيني البطل في غزة، رغم جسامة التضحيات عامي 2008- 2009، تغيّرت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وسقطت الدعاية والأوهام التي صنعها الكيان عن قوته وجبروته، وبدأت الشعوب تستعيد ثقتها بنفسها، وتدرك أن الحق لا يموت مهما كان حجم الظلم اللاحق بأصحاب الحقوق. وكي نكون واقعيين، يجب أن نذكر أن المشروع الصهيوني مازال قائماً بدعم أميركي غير محدود، ولكن الذي تغيّر هو رؤية ضحايا هذا المشروع لأنفسهم، فقد بدأ الذين كانوا يشعرون بالعجز أمام هذا المشروع العسكري الاحتلالي الاستعماري الظالم، باستعادة ثقتهم بأنفسهم ومقاومتهم، وبدأوا يستعيدون تجارب الشعوب التي انتصرت رغم الفرق الهائل في القوة والمقدرات بين المعتدي والمعتدى عليه، كما أن تحرر معظم دول أميركا الجنوبية من سطوة الولاياتالمتحدة، واتخاذها خطاً مناصراً للقضايا العادلة في العالم، قد شدّ من أزر الفلسطينيين والعرب، كما أن ظهور مناطق تأثير وقوى جديدة في العالم، كالصين، والهند، والبرازيل، بالإضافة إلى ممارسات الولاياتالمتحدة المفضوحة ضد الديمقراطية، وحقوق الإنسان وحريته، كل ذلك يبشّر بتغيّر المعادلة الإقليمية والدولية. *العلاقات السورية التركية جعلت سوريا تعتبر ذلك محفزا للتكاتف العربي التركي والاقليمي والذي سيدفع باتجاه تغير المعادلة كيف تقرئين هذا الطرح؟ - تركيا بلد جار لسورية، نتقاسم معه حدوداً بطول 90 كم، ولذلك من المهم جداً لنا، وبحكم الجوار والتاريخ، أن تكون علاقاتنا متميزة مع تركيا، وتركيا، بقيادة حزب العدالة والتنمية، تسعى من أجل علاقات خاصة مع كافة الدول العربية، وها هي تفتح تجارة حرة مع سورية، ولبنان، والأردن، وترحب بأي بلد عربي آخر يرغب بالانضمام إلى هذا. ونلاحظ أن تركيا هي صديقة العرب، ومؤيدة للحق العربي، وقد ضحّت بدماء أبنائها من أجل رفع الحصار عن غزة، كما أن القيادة التركية تطالب دوماً بإحقاق الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، ورفع ظلم الاستعمار والاحتلال المحيق به. ومن هنا فإن الصداقة العربية – التركية، وتنسيق المواقف يزيد العرب والمسلمين قوة، ويرفع من شأنهم في المعادلات الدولية. * الدور التركي في المحادثات السورية الاسرائيلية والتي كانت كمشروع يلاحظ غياب الدور التركي والذي يمتلىء حماسا في هذ الخصوص هل ذلك بسبب ماحدث من تعنت اسرائيلي ازاء سفن الحرية التي كانت تحمل مساعدات لشعبنا الفلسطيني المحاصر في غزة ؟ - نعم ، إسرائيل هي المعتدية، والهجوم على أسطول الحرية، وقتل الأبرياء، كان هجوماً وحشياً، إرهابياً مرفوضاً، وربما هدفه الأساسي، هو تعطيل الدور التركي في عملية السلام، ذلك الدور الذي شهد له الجميع في الغرب، انه وخلال فترة قصيرة أنجز ما عجزت الإدارة الأميركية من إنجازه خلال عشر سنوات، وهذا أمر طبيعي، لأن تركيا بلد ذو تاريخ في هذه المنطقة، ويفهم قضاياها، ويؤمن بالعدالة للجميع، بينما الولاياتالمتحدة بعيدة جغرافياً، وتاريخياً عن قضايانا، بالإضافة إلى أنها الممّول الأساسي للمعتدي على قضايانا وحقوقنا. و الهجمة في منطقتنا ذات وجهين: هجمة على العرب، وأخرى على المسلمين، ويكاد الغرب لا يفرّق بين العرب والمسلمين. فبالنسبة للغرب، كل عربي مسلم، والعكس صحيح، إلا لمن تذكر أن أندونيسيا، وماليزيا، والهند، هي بلدان تضمّ مئات الملايين من المسلمين . *المحكمة الدولية وشهود الزور وخروج سوريا من تلك الاتهامات التي طالتها ودون وجه حق فيما يتعلق باغتيال رفيق الحريري الى أين هي ذاهبة هذة المعادلة من وجهه نظر معاليك؟ - لقد قال السيد الرئيس بشار الأسد إن أي تهمة لأي طرف يجب أن تكون مدعومة بالدليل القاطع، وإلا فلن يقبل أي طرف هذا الاتهام. لقد اتهموا سورية منذ عام 2005 ومباشرة بعد الجريمة التي طالت رئيس الوزراء رفيق الحريري، واليوم يتمّ الحديث عن اتهام حزب الله، وغداً قد يتهمون أطرافاً ثالثة، ورابعة. وقد كشفت وثائق ويكيليكس وكتاب " سر الرؤساء " الذي صدر في فرنسا، حجم التواطؤ الغربي – الأميركي ضد العدالة والاستقلال لبلداننا، وكشف أن الديمقراطية والحرية التي يتحدثون عنها، كلمات جوفاء يعملون في الخفاء على تقويض أسسها من عالمنا. لو كانت المحكمة نزيهة، وعادلة، لما اعترض أحد عليها، ولكن مسار المحكمة إلى حد اليوم، ينبئ أنها مسيسة، وأنها تقع ضمن أدوات المخطط الذي تحدثت عنه، والذي يهدف إلى شرذمة العرب، وضرب مواقع اتفاقهم، وقوتهم، وتضامنهم، كي يصبحوا لقمة سائغة للكيان الصهيوني وأطماعه. * هناك من يطرح فكرة ومشروع الدمج او مايسمى الوحدة السورية اللبنانية وذلك انطلاقا من كون الكيانات والتكتل يمكنها ان تحقق الكثير من النجاحات وعلى جميع الاصعدة واهمها السياسية والاقتصادية والعسكرية كيف ترى معاليكم تلك الاطروحات ؟ - ما يحتاجه العرب اليوم، ليس الدمج، أو الوحدة، التي تخيف البعض، بل التنسيق، وحسن الجوار. هل يعقل أن تكون التجارة البينية بين الدول العربية أقل بكثير من تجارة بعضهم مع أوروبا، أو الولاياتالمتحدة. في كلّ العالم هناك عودة للتجمعات الإقليمية، والاستفادة من التاريخ والجغرافيا، فلماذا يُستهجن تفكير العرب بذات الطريقة؟ لماذا يحق لدول آسيان، ودول أوروبا، ودول أميركا الجنوبية، أن تفرز تجمعاتها الإقليمية، ولا يحق للعرب الذين يتكلمون لغة واحدة، ويتشاركون في الثقافة، والأدب، والتاريخ، والجغرافيا، أن يشكلوا على الأقل كتلة إقليمية تزيد أعضاءها، كلّ أعضائها، قوة ومنعة؟ إن الأصوات التي تقف ضد مثل هذا المشروع تصبّ في خانة خدمة المشروع الصهيوني، سواء عن قصد، أو غير قصد . *أصدرت معاليكم كتاباً يحمل عنوان المرأة في السياسة والمجتمع والذي يعتبر من اهم الكتب التي نقلت الصورة الحقيقية للمرأة العربية في الغرب في الوقت الذي تعاني المرأة العربية من عمليات الاقصاء والتحجيم كيف تعلقين على ذلك؟ - لقد أصدرت كتابين باللغة الإنجليزية: النساء العربيات يتحدثن عن أنفسهن، وقد نُشر في كل من الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وأُعيدت طباعته مرة ثانية العام الماضي. كما صدر لي العام الماضي كتاب ( أصوات مُكتشفة: مئة عام من الرواية النسائية العربية 1898- 2000) . وقد صدر عن دار لين رايز في نيويورك، وهو يدرس اليوم في الجامعات، وهدفي من هذين الكتابين، هو نقل الصورة الحقيقية عن المرأة العربية للغرب، هذه المرأة التي ناضلت، وكتبت، وحاربت، وعايشت كل معارك بلدانها من أجل الحرية والاستقلال. وبالمناسبة فإن تاريخ المرأة العربية، أشدّ إشراقاً من تاريخ المرأة الغربية، ولكن عقدة النقص لدى البعض توهمهم أن تحرر المرأة صنع في الغرب. كانت المرأة العربية تترأس دواوين الشعر، والأدب، حين كان الظلام يخيّم على أوروبا برمتها، فنحن بحاجة إلى المزيد من الثقة بالنفس، وبالتاريخ، والهوية، دون غرور، لنعلم أن بعض العادات والأعراف التي تنتقص من شأن المرأة، لا علاقة لها بالعروبة، أو الإسلام، فهي دخيلة علينا، وغريبة عن معتقداتنا، وتاريخنا، ومبادئنا. كما صدر لي بالعربية عدة كتب أهمها: المرأة العربية في القرن العشرين، ومئة عام من الرواية النسائية العربية، والشعر والسياسة .