لماذا ينخرط شبابنا الآن في القتال في المناطق الملتهبة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان التي يُقاتل فيها أبناء الشعب الواحد بعضهم البعض؟ ما مفهوم هؤلاء الشباب للجهاد في سبيل الله؟ تعالوا نقرأ معًا درس الجهاد في سبيل الله في منهج الحديث والثقافة الإسلامية لثالث ثانوي بنين لأقسام العلوم الشرعية والدينية طبعة 1428-1429 الموافق 2007- 2008م، لنجد الآتي: 1. " من أقسام الجهاد في سبيل الله "مجاهدة الكفار بدعوتهم وقتالهم"[ص 149] 2. إطلاق هذا السؤال:" متى يكون القتال جهادًا في سبيل اللَّه؟" وجوابًا عن هذا السؤال، يقول "أن يكون تلبية لأمر اللَّه، وتضحية في سبيله، ونشرًا لعقيدة التوحيد، ودفاعًا عن حياض الإسلام" وديار المسلمين، وإعلاءً لكلمة اللَّه، فهذا هو الجهاد في سبيل اللَّه."[ص151] فعندما يقول:"مجاهدة الكفّار بدعوتهم وقتالهم"، وعندما يكون ضمن جوابه عن سؤاله:" متى يكون القتال جهادًا في سبيل الله؟ أن يكون .... ونشرًا لعقيدة التوحيد.." ، فهو: أولًا :يعزز فرية نشر الإسلام بحد السيف، لأنّه حصر مفهوم الجهاد في سبيل الله بالقتال في سبيل نشر عقيدة التوحيد، ومجاهدة الكفار بدعوتهم وقتالهم، فالإسلام لم ينتشر بالقتال، وإنّما بحسن المعاملة بدليل دخول كثير من البلاد الآسيوية والإفريقية في الإسلام عن طريق التجار المسلمين، فلم تكن غاية الفتوحات الإسلامية فرض الإسلام، وإنّما كانت غايتها حماية دولة الإسلام في الجزيرة العربية من الأخطار التي تهددها من الإمبراطوريتيْن الفارسية والبيزنطية، فقد أمّن الفاتحون المسلمون سكان البلاد المفتوحة على أديانهم وكنائسهم ومعابدهم وأموالهم، حتى اللغة العربية لم تُفرض عليهم بدليل لم يتم تعريب الدواوين إلّا في سنة مائة هجرية، أي بعدما تعلم سكان البلاد المفتوحة اللغة العربية نتيجة اختلاطهم بالقبائل العربية التي رافقت الجيوش الفاتحة، واستقرت في تلك البلاد واختلطت بسكانها، وتصاهرت معهم. ثانيًا: لم يحدد من هم الكفّار؟ ومتى يجب قتالهم؟ فهل يجب علينا قتال غير المسلمين الذي لم يُقاتلونا، ولم يعتدوا علينا، أم علينا قتال من يُقاتلنا ويعتدي على أراضينا؟ أليس من واجب معدي المنهج توضيح هذا الأمر؟ لكن للأسف معدو مناهجنا الدينية يربون أولادنا منذ نعومة أظافرهم على كره ورفض الآخر، فنجد في مادة التوحيد مقرر عام 1424ه لخامس ابتدائي درس بعنوان" لا تجوز موالاة من حاد الله ورسوله"، ولم يوضح معدو المنهج معنى من حاد الله ورسوله ،ويستشهدون بقوله تعالى في الآية 22 من سورة المجادلة التي نزلت في الصحابة الذين قاتلوا آباءهم وإخوانهم وأقاربهم في بدر لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُون باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُواَدُّون مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتًهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّات ٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِين فِيها) ولم يُبيِّن واضعو المنهج مناسبة نزول الآية، بل نجدهم يصدرون أسئلة الدرس بهذا السؤال: هل يجوز حب اليهود والنصارى مع ذكر الدليل؟ فالآية هنا لا تتكلم عن اليهود والنصارى، وإنَّما تتكلم عن مشركي مكة، وعن قتالهم في ساحة الوغى بقيادة ولي الأمر، وليس قتالهم لمجرد أنّهم كفار، ولكن لأنّهم قدموا إلى بدر لقتال المسلمين، فكان قتال المسلمين لهم لرد عدوانهم عليهم. ثُمّ ما علاقة جواز حب اليهود والنصارى بالآية؟ وإن كان الأمر كذلك، فكيف نظَّم الرسول صلى الله عليه وسلم العلاقة بين سكان المدينة في الصحيفة، والذين كان منهم مسلمون ويهود ووثنيون؟ فإن كانت أُم أحد أولئك الطلبة الذين يدرسون هذه المادة مسيحية فهل مطلوب منه أن يكره أمه، وأخواله وأجداده من أمه؟ ولو كان مطلوباً من المسلمين كراهية اليهود والنصارى عامة كيف أباح الإسلام للمسلم الزواج منهم، وكيف عاش أهل الذمة في كنف الدولة الإسلامية بحب واحترام، وقد حصلوا على حقوقهم، وكيف يتعايش المسلمون في بلادهم التي بها مواطنون يهود ونصارى؟ وما تفسير موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من جاره اليهودي الذي كان يومياً يضع له الأذى عند باب بيته، وعندما خرج الرسول يوماً من بيته ولم يجد الأذى عند بابه، سأل عن جاره فقيل له مريض، فعاده في بيته، فأسلم اليهودي من جراء هذا الموقف؟ كما لا يخفى على معدي المناهج وجود جماعات أطلقت على نفسها جماعات إسلامية، وكل جماعة منها تكفّر الأخرى، وتكفر الحكّام والمجتمعات، فأصبح المسلمون في نظر كل جماعة هم أتباع تلك الجماعة فقط، ومن عداهم فهم كفار يجب قتالهم، حتى نجد أنّ سعوديين ممن ضُلِّلوا بالانتماء لتلك الجماعات التي تقاتل في سوريا وجدوا أنفسهم يُقاتل بعضهم البعض لأنّ أمير جماعة كل فريق منهم يُكفّر الجماعات الأخرى، ويُبيح قتالها، والتمثيل بجثث القتلى، ونزع أكبادهم وأكلها، فأصبح مفهوم الجهاد في سبيل الله لدى هذه الجماعات للأسف الشديد هو قتال من يخالفهم الفكر في المجتمعات والجماعات الإسلامية لفرض فكرهم، ولو بحثنا عن أصل هذه الجماعات نجد معظمها متفرعاً من جماعة الإخوان الإرهابية، ويرجع وجود هذه الجماعات الدينية التكفيرية المتفرِّعة منها الى التطرّف الديني الذي صحب ما عُرف بالصحوة الدينية التي انطلق رجالها يُصدرون فتاوى بغير علم، وفهم قاصر للنصوص القرآنية والحديثية الصحيحة يُكفِّرون المجتمعات والحكّام، من خلال اعتلائهم المنابر في المساجد ودروسهم الدينية التي سُجّلت في أشرطة كاسيت، وأصبحت تُباع في محلات الكاسيت واقتناها عدد كبير من شبابنا ذكورًا وإناثًا، وتبنّى كثير منهم ما فيها من فكر، وللأسف في كتب التراث ما يُغذِّي الفكر التكفيري، الذي استغله أعداؤنا في التخطيط والتمويل لمحاربة المسلمين بعضهم البعض ليتم تقسيم الدول العربية إلى دويلات على أساس ديني ومذهبي وعرقي تتنازع فيما بينها لتظل إسرائيل الدولة الكبرى في المنطقة يسهل عليها السيطرة على تلك الدويلات، ونموذج داعش مثال على ذلك. فالملاحظ أنّ من يدّعون أنّهم مجاهدون في سبيل الله، لم يقوموا بأية عملية ضد العدو الصهيوني المحتل لفلسطين، وإنّما يقومون بعمليات إرهابية ضد بلادهم وأبناء بلادهم، فأصبح الجهاد في مفهوم الجماعات التكفيرية، هو قتال المسلمين لبعضهم البعض، هذا الخطأ في مفهوم الجهاد في سبيل الله. وإساءة تفسيره من قِبل الجماعات التكفيرية، وفتاوى ما سمي بجهاد المناكحة من الأسباب التي دفعت ببعض شبابنا إلى الإلحاد، كما دفع ببعض آخر إلى الإرهاب، فلابد من إعادة النظر في جميع مناهجنا الدراسية وتحريرها من هذا الفكر المتطرّف نقلا عن صحيفة المدينة