فقدت الأوساط العلمية في عالمنا العربي عالماً فذاً، هو الأستاذ الدكتور عوض بن حمد القوزي - غفر الله له، وهو من كان صنو الراحل الكبير حمد الجاسر - غفر الله له؛ إذ شغل كل منهما عضوية مجمعي اللغة العربية في القاهرة ودمشق. وهما مواطنان سعوديان، يفخر بهما الوطن، كما كان الفخر بأمثالهما من خيرة من عملوا في سبيل العلم ومنهجياته في شتى العلوم والفنون. من يطلع على سيرته في جامعة الملك سعود التي عمل بها يجد صورة العالم الجاد في البحث والتحقيق العلمي، وتعدد مجلدات الكتب التراثية التي عمل على تحقيقها ونشرها، وما زال في مكتبته وحواسيبه كمٌّ هائل؛ وعسى الله أن يقيض من مراكز البحث العلمي من يكمل ما بقي. حان أجل الزميل والرفيق الصديق عوض وهو عائد من بلدته القوز، حين صدم سائقه بعيراً سادراً في الظلام، وقضى الله أجلاً كان محتوماً. عرفته منذ سنوات، وأحببت فيه الروح العلمية والمنهجية الصارمة، وكراهة الكذب والتدليس، وحب الإبداع بحثاً وتدريساً وإدارة تعليم، ثم محاوراً ومحاضراً في منتديات داخل المملكة وخارجها. كان حلو الكلام، جاداً ومداعباً، ثم رفيقاً في مراسلات هاتفية أو مكالمات لتبادل الأفكار والرؤى، وكان للتراث المكي التهامي والسروي مجالات وسجالات، نتفق ونختلف، لكننا دوماً نأتلف. ستبقى ذكرى الراحل عوض في ساحات الفكر الإنساني طويلاً، وفي ذاكرة أجيال من أمتنا تعرف لأهل الفضل فضلهم. وفي ظني أن من طالباته وطلابه محلياً وعالمياً من قد يقدم أضواءً على ما قدم من علم ورصانة بحث. الفَقْد والحزن خفَّف من وطأتهما الوفاء الجميل من زملاء الفقيد في الجامعة ورفاق العلم والتعلم، الذين توافدوا على منزل الزميل الشهم والصديق الوفي الدكتور مرزوق بن تنباك حين أقام العزاء في الرياض يومَين، لكن غياب جامعة الملك سعود إدارة وكليات أمرٌ معيب؛ فلا عزاء ولا نعي، والحال متصل مع الصحافة التي لم تُشِر بوفاء لرجل شرَّف أمته ووطنه بعلمه وبحوثه في محافل العلم في العالم. لكن لعل رثاء الشاعر محمد علي حسن شرارة كان حاملاً هموم الطيور في جزيرة أم القماري في ميناء القنفذة البحري، فكان وفاء لعوض الذي ربى شرارة الإبداع في هذا الشهم ربيباً لمحمد بن عوض القوزي، فكان القول ما قدحت به شرارة اللوعة في جميل الكلم: ماذا فعلت وقد أوقدت يا جميل ناراً بفعلك فانقادت لها الحمم مزقت يا سائب الصحراء أفئدة أججت فيها جراحاً ليس تلتئم لو كنت تعلم ما ألفيت من عمل لاجتاحك الذل والتشريد والندم حملتنا الحزن أوزاراً مضاعفة أسقيتنا المر في كاساته السقم كان المصاب بأرض الليث في دلج على الحبيب فزلت في الثرى قدم فاضت له القوز أتراحاً وهاج لها دمع الرياض وفي أحداقه الألم الاك أنت وإن النفس في هول جاء المصاب وكاد القلب ينقسم كل المصائب قد كفل الزمان بها إلا مصابك قد شقيت به الأمم عوض له العلم في أبهى تحلته حقاً هو المجد قد رقصت له القمم وإنما البدر مستلق بهامته والكون يسعد حين يراه يبتسم أما ترى النحو قد أعيته قارعة مما أصابك فاسترقى له القلم وقولك الفعل والمفعول بركم لينهك العلم أنت الفال العلم يا رب لطفك ما جفت محاجرنا نبكي الفقيد ويبكي العلم والكلم حملوا الحبيب وبيت الله مجلسه نعم الجوار جواراً حفه الحرم لله درك ما كان العزاء سوى فيض من الناس إذا شهدوا لمن قدموا نور تدفق في (البطحاء)(1) مشرقة حارت له الشمس بالأقمار والنجم كأنما (العدل)(2) قد سرت بمقدمه اثرت له المسك وانسابت له النعم يتوقف الشعر حيراناً وان له ما أنصف الشعر من سيقت له الهمم أيها الراحل القريب البعيد لن نشاطر أحبابك الحزن، لكنا نتقبل العزاء لك وفيك مع أهلك أهلنا عشيرة وصليبة، مع أخويك علي وبلغيث، وأخواتك زهراء والوافية وسلطانة، وبنيك محمد وعلي وأحمد وعبدالله ودقاقة وزهراء وعائشة وفاطمة وأمل وحنان ووفاء ومنى، وحليلتك. رحمة الله عليك. *** 1 - بطحاء قريش. 2 - مقبرة العدل. القوز بلدة تهامية من مراكز محافظة القنفذة في منطقة مكةالمكرمة، لها في تاريخ الوطن مواقف عز ونضال في مقاومة الظلم والطغيان التركي، حين أُسر البطلان طامي بن شعيب المحتمي وبخروش بن علاس الزهراني، وقتلوهما في تركيا قهراً وعدواناً.