تنامت في الأوساط الإعلامية، وباستخدام كل الوسائل المتاحة، نبرة كانت قد خمدت لوهلة، ولكن لم تلبث أن تعود، وهو ما يؤسف له. منذ فترة ليست بالقصيرة. هذه النبرة ركزت على تناول مواضيع الوسط الأكاديمي وأحواله بكل سلبية، ومع وجود بعض المحاولات الفردية الأحادية لعمل التوازن، إلا أن سمة التساؤلات وكشف الحقائق انتقل من الرغبة في الإصلاح إلى التعرض للسمعة والمكانة والقدر العلمي، وما إلى ذلك من مزايا يتمتع بها هذا الوسط الرفيع. أتساءل هنا: ما هو المؤثر الذي قلب توجه جماعة في مجتمع؟ ثم أتساءل: هل فقْدُنا الثقة في تنظيم قائم والتصرف على هذا الأساس، يمكن أن يخرج نظاماً أفضل، خصوصاً إذا كانت الأطروحات خالية من مناقشة بناءة وحلول حقيقية مكملة، بأدلة علمية تؤصل لعمل ذي قيمة كبيرة على كل المستويات؟ المجتمع المثقف أساس لأي ازدهار أو نهضة تنموية لأي أمة، وهذا أساس استراتيجي وليس بطلب عابر. لذلك إذا عاش الفرد في بيئة تلقي الثقافة ولم يشارك فيها أو في إنتاجها، فإن ذلك يقوده إلى التشكيك في نفسه وهويته وقدراته، مما يجعل الطبقية أمراً وارداً، دون أن يكون هناك تأثير للتعليم والبحث والفكر الإيجابي. هنا تزل القدم، فيسعى مَنْ كانت به علة إلى ترديد ما يروق له وهو سلبي، وتبني الضعفاء أساليب لمجرد شد الانتباه، دون أن يعير اهتماماً لأثر ما تم تبنيه، وما صدر عنه، أو التفكير في وسيلة لتعديل المسار. من جانب آخر يقود ذلك إلى تبني العزف المنفرد، مما أوجد إعلاماً داخل إعلام، أو بجانب إعلام، وهو ''الإنترنت''. في هذه المرحلة حتى ولو كان الإعلام بحواف جانبية إذا لم يقد لإصلاح حقيقي، فنحن لا نتحرك لصالح الكيان الأساسي، وهو ''الوطن''، بل إلى العزلة، وقد يقود ذلك إلى التشرذم الذي لا ينمو إلا في البيئات العاطلة والبائدة. بالنظر للمحاولات المختلفة في إرساء روح الوطنية، نجد أن الشباب يسعى إلى تحقيق أشياء، ويريد أن يراها على أرض الواقع بسرعة. هذه السرعة لا يتماشى معها تسارع صاحب الكلمة أو القرار، وبالتالي بمجرد الشعور بالتأخير يلجأ الشباب إلى قنوات، ويستخدم أساليب يعتبرها أدوات العصر ووسائله الإعلامية، فينشأ التباين والاختلاف، ونصدر الأحكام عليهم بأنهم متهورون ومندفعون. ولكن أن يقدم على ذلك المفكر والمحسوب على النخبة، الأكاديمي والمؤهل المثقف، راغباً في الإصلاح بالأسلوب والوسيلة ذاتها، أو حتى عبر الإعلام المقروء ورقياً، فإن نتيجة ذلك حتماً إغراء وإيعاز للضعفاء وغير المؤهلين وغير المتخصصين بالنيل والميل دون أهلية أو كفاءة. كما أنه مؤشر على ضعف كامن نحتاج إلى علاجه. يعلق البعض على أن مستوى الحرية هو ما استدعى الخروج عن الصف. هنا أتساءل: أي الحدود نطلب؟ ما يناسبنا وينبع من داخلنا أم ما يحقق غايات الآخرين ولا يهمهم إن عشنا ربيعاً أم خريفاً؟ ما آمله هو إلا نخلط بين الخطوط المؤطرة للعلاقات الفردية أو الاجتماعية أو حتى الرسمية. فليس معنى التغيير والتطوير هو ما يؤدي إلى قلب الأمور رأساً على عقب، وإخلال أمان النفوس، وإقصاء تاريخ سابق بكامله، وكلنا يعلم ويعرف تماماً أن الحاضر وليد الماضي، والمستقبل ينتظر منا خروج حاضر من رحم ملؤه المودة والتراحم والحب في العمل كفريق متكامل يداً بيد. واقعياً، عادة ما يجانب التوفيق أحد المسؤولين أو المفوهين قولاً أو فعلاً، ولكن الرموز الذين جانبوا الصواب أو اجتهدوا فيما اتخذوه من قرارات لم يكونوا مخلوقات غريبة، إنهم بشر ومسلمون. يمكن أن ينوه عن الخطأ والتصحيح الممكن تبنيه في حدود العمل والعلم والموضوع، وبالتالي نقلص الفجوات حجماً وسعة، ونقصي الدخيل أو المريض من أن يستفيد بطرائقه المكشوفة في تقليب السواكن وإثارتها، وتغريب الواقع وإثارة الغبار أكثر مما هو مثار في الطبيعة. إجمالاً.. لو تم التركيز على المواضيع والخروج على الخط المباشر أو على الهواء، مستهدفين الإصلاح الحقيقي بتفنيد العمل لا الشخص، وطرحنا الحلول وآليات التنفيذ الإيجابية، فإننا سنكرس لتنشئة أجيال تحترم بعضها البعض. ثم لو كرسنا جهودنا للمواهب وإبداعاتهم، فالبناء سيكون أقوى بوجودهم في الدائرة، بخلاف أن يكونوا خارجها. في الشأن العلمي لو ابتعد الإعلام المرئي والمسموع عن الطرح التقليدي والبرامج التقليدية واستطلاع الرأي بالطرق المعتادة، وذلك ببذل الجهود وتمويل مشروع ابتكار البرامج والحوارات لمناقشة شؤون حياتية (علمية واجتماعية... إلخ) بأساليب مثيرة ستكون النتيجة قضاء أوقات مفيدة معلوماتياً ومعرفياً، وستكون الألفة أساس التواصل والمداخلة وإبداء الرأي. الأمل في أن نتعود على المناقشات الهادفة وغير المتعرضة لرموز أو أسماء، لا بشكل مباشر ولا بالتلميح. كل ذلك لنتعلم كيف نرقى فوق الشعور بالغضب والقهر، ونجد العلاج ونطرحه ليأخذ الاهتمام المناسب، فيخرج بقواعد ونظم وضوابط قابلة للتطبيق. هذا أيضاً سيُظهر براعتنا، وسمو أخلاقنا، وجدية طرحنا، والوطنية التي تعني المسؤولية والاهتمام. نقلا عن الاقتصادية